بقلم: إبراهيم العمار – صحيفة “الرياض”
الشرق اليوم – لو ذُكِرَت لك كلمة “حرب” و”أوروبا” معاً لتخيلت الحربين العالميتين، أشهر حربين في تلك القارة، لكن سبقتهما حرب اسمها حرب الثلاثين عاماً، حرب طويلة عجيبة بدأت في 1618م وانتهت في 1648م، ألمانيا فقدت فيها خُمس شعبها، وبعض المناطق قُتل ثلاثة أرباع أهلها، حرب فيها مذابح واغتيالات ومعارك طاحنة وتحالفات وخيانات، أشبه بالخيال.
بدأت الحرب بقذف رجل من بُرج! تولى النمساوي فرديناند الثاني المُلك -وهو كاثوليكي- وكان من مناطق مملكته بوهيميا -في جمهورية التشيك اليوم- والتي تدين بالبروتستانتية، وقد وعدهم فرديناند سابقاً بالحرية الدينية لكنه نقض عهده، فأخذوا مبعوثه وقذفوه من قلعة براغ من ارتفاع عدة طوابق، لكنه نجا.
غضب فرديناند واعتبر هذا إعلاناً للحرب، وقتل قادة هذه الثورة، واستعان البروتستانت بأبناء دينهم من بلاد أخرى، واشتعلت حروب بينهم وبين فرديناند، انتهت بانتصاره وهلاك مئات الألوف من أهل بوهيميا، حتى انخفض عددهم من 3 ملايين إلى 800 ألف بعد نهاية الحرب.
استمر الكاثوليكي فرديناند في انتصاراته على جيوش ومناطق بروتستانتية في أوروبا، ويحصل شيء غريب، فالفرنسيون رغم أنهم على دينه إلا أنهم قلقوا من أن الملك الألماني سيسود أوروبا، فدعموا الملك الدنماركي كريستيان الرابع ليحارب فرديناند رغم أن كريستيان على دين أعدائهم البروتستانت! انطلق كريستيان وانتصر على عدة جيوش لفرديناند، لكن أحدها دبّر له كميناً وانهزم كريستيان.
بعد هذه الهزيمة عاث المنتصرون فساداً في أراضي المنهزمين، وحصلت مذبحة ماغديبورغ -مدينة في ألمانيا اليوم-، حدث مريع لم يسلم فيه حتى الأطفال، ومن عدة مجازر حصلت في هذه الحرب فإن هذه أسوأها، أُبيد فيها 20 ألفاً.
استثارت المذبحة حمية البروستانت من البلدان الأخرى، وكانوا مترددين من دخول الحرب؛ لأنه لا ناقة لهم ولا جمل فيها، فاتحدوا ضد الجيش الكاثوليكي، وحصلت معركة “برايتنفلد” عام 1638م، والتي انتقم فيها البروتستانت من الكاثوليكيين، وانتصروا عليهم فيها نصراً عظيماً، أكبر انتصار بروتستانتي في الحرب كلها.
ظهرت شخصية عجيبة، أحد قادة الكاثوليك واسمه ألبرخت فالنشتاين، حقق انتصارات كبيرة، حشا جيوبه بالمال بكل طريقة، بالنهب، بالاختلاس، بقطع الطريق، بالرشوة! تغاضى الملك فرديناند عن غرائبه لأنه يحتاجه بسبب براعته العسكرية، لكن عزله فرديناند بعد أن زاد نفوذه وخشي أن ينقلب عليه، ثم احتاجه فعيّنه من جديد، لكن فرديناند أدرك صادقاً أن ألبرخت حقد عليه، وبعد أن حقق أهدافه قرر أن يتخلص منه، وعزل ألبرخت نفسه في حصنه وقتل من اشتبه أنهم موالون لفرديناند، لكن وصلت إليه فرقة فدائية وقتلته.
دخلت عدة دول الحرب التي طحنت أوروبا وأنهكتها، وتمّ صلح “وستفاليا” عام 1648م، ليُنهي المأساة.