بقلم: علي قباجة – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تسعى حركة طالبان التي استولت على السلطة في أفغانستان لكسب ود المجتمع الدولي لمواجهة ما يعانيه الشعب الأفغاني من جوع وفقر، وذلك يتطلب منها مقاربة جديدة لإقناع العالم مد يد العون لها؛ وهو أمر ليس سهلاً ما لم تلتزم بشروط الدول المانحة، وفي حال تأخرت المساعدات الإنسانية فإنها ستعيش موقفاً لا تحسد عليه، في ظل أزمات عدة تعانيها داخلياً وخارجياً.
فالساحة الأفغانية الداخلية تعاني صعوبات عدة؛ بدءاً من تفشي «كورونا» الذي انتشر كالنار في الهشيم في هذا البلد الفقير حاصداً المئات، مروراً باقتراب فصل الشتاء القارس وما يحمل في طياته من أوجاع لشعب منهك لا يجد ما يستر به جسده، أو يقيه الجوع، وليس انتهاء بحركة النزوح الداخلية من الأرياف؛ حيث اضطر أكثر من ثلاثة ملايين أفغاني للنزوح من موطنهم الأصلي؛ نتيجة العمليات العسكرية وما يحمله ذلك النزوح من إهمال المحاصيل الزراعية التي تعد من مقومات الاقتصاد الأفغاني، وعلى الرغم من مناشدات المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، شو دونيو لتوفير الدعم والتمويل لإنقاذ محصول القمح القادم في أفغانستان، والمحافظة على حياة الماشية، وتجنب حدوث مزيد من التدهور في أزمات البلاد الإنسانية الشديدة؛ فإن العالم أصم أذنيه عنها تاركاً هذا البلد يعاني حتى في رغيف خبزه.
الساحة الخارجية ليست بأفضل من الداخلية؛ إذ إن ممثلي الحركة حاولوا جاهدين كسب التعاطف العالمي من خلال إعلانهم المتكرر أن «طالبان» الجديدة ليس نسخة طبق الأصل عن «طالبان» التسعينات، فالحركة طرحت فكرة التفاوض مع الحكومة السابقة لتأسيس حكومة مشتركة، وما تقوم به تأمل من خلاله نيل الاعتراف بها ممثلاً شرعياً لأفغانستان؛ حيث سيدر ذلك فوائد عدة عليها أولاها رفع اليد عن الأموال التي جمدتها واشنطن والبالغة 10 مليارات دولار من أصول البنك المركزي الأفغاني بعد استيلاء «طالبان» على السلطة في 15 أغسطس/ آب الماضي، إلى جانب أن ذلك سيجعل دول العالم تغدق عليها بالمساعدات وتنتشلها من الأزمة الداخلية القابلة للانفجار في أي وقت في حال استمرار التدهور الاقتصادي.
«طالبان» واقعة بين مطرقة المساعدات وسندان التغيير؛ فإما أن تغير أيديولوجيتها بشواهد ملموسة على أرض الواقع، وليس عبر شعارات فقط، وإما أن تواجه أزمة إنسانية غير مسبوقة، وربما أيقنت بأنه لا مناص من تغيير سياساتها. ولعل في تغريدات سهيل شاهين، الممثل الدائم لأفغانستان لدى الأمم المتحدة والمتحدث السابق باسم «طالبان»، التي قال فيها إن الحركة على استعداد للتعاون الكامل مع المنظمات المعنية، ما يوحي بأنها تلقفت الرسالة العالمية وأدركت أن المساعدات مرتبطة بسياسات الحركة داخلياً وخارجياً.
وعلى الرغم من تلك التصريحات فإن دولاً عدة ما تزال تجس نبض الحركة لمعرفة مدى صدقها؛ إذ إن الصين أجرت اتصالات مع قادة الحركة للوقوف على موقفها من قضايا عدة، وكذلك سعت روسيا لعقد مؤتمر لدول جوار أفغانستان لمساعدتها اقتصادياً في حال صدقت نوايا الحركة في التغيير ومشاركة الآخرين في السلطة والمباشرة في مواجهة إرهاب «داعش».