افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – لم يكن الصراع العسكري المكشوف بين الحكومة الإثيوبية وقوات متمردي التيجراي ابن ساعته، فقد سبقته إرهاصات تشي بذلك، من جراء خلافات قومية وقبلية قديمة لم تضع حداً لها ديمقراطية وليدة أتت بأبي أحمد رئيساً للحكومة، وتمكن خلال وجوده في الحكم من إخراج إثيوبيا من أزماتها الاقتصادية، والدفع بمعدل النمو في البلاد إلى معدلات محترمة، كما أقام مشاريع حيوية كبيرة مثل «سد النهضة» الذي أثار أزمة لم تهدأ بعد مع كل من مصر والسودان.
ثم جاء انتخاب أبي أحمد ثانية رئيساً للحكومة في يونيو/ حزيران الماضي ليصب الزيت على نار الخلافات مع قومية التيجراي التي اتهمت الحكومة بممارسة التمييز ضدها، ثم اتسعت الخلافات لتتحول إلى صراع مسلح بين الطرفين، ودخول الجيش الإثيوبي والجبهة الشعبية لتحرير التيجراي في معارك ضارية واتهامات متبادلة بممارسة عمليات تطهير عرقي، وصولاً إلى إعلان الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي أنها تقترب من العاصمة أديس أبابا.
رغم غموض الموقف العسكري، وعدم الوقوف على صحة ما يقوله المتمردون، والنفي الحكومي لهذه الادعاءات، ووصفها بأنها «حيلة دعائية»، إلا أن ذلك لا ينفي خطورة الوضع، وأن إثيوبيا دخلت فعلاً في زنار النار، وأن الأمور قد تخرج عن السيطرة، وأن حرباً أهلية باتت تدق أبواب هذا البلد الإفريقي.
مجلس الأمن الدولي دعا لوقف فوري لإطلاق النار، وأعرب عن قلقه العميق لتصعيد النزاع، ومباشرة التفاوض، وبدء حوار وطني شامل، كما أن دولاً إفريقية وأوروبية عدة دعت إلى ذلك، لأن الحوار هو السبيل الوحيد لإخراج إثيوبيا من لعبة الدم هذه.
إعلان المتمردين إصرارهم على دخول أديس أبابا وتشكيل حكومة انتقالية، وحديثهم عن قيام تحالف معارض يضم تسعة فصائل مناهضة للحكومة تحت مسمى «الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفدرالية»، مع اتساع رقعة القتال، ودعوة الحكومة الإثيوبية الجنود المتقاعدين وقدامى المحاربين للعودة إلى صفوف الجيش وحمل السلاح لصد هجوم المتمردين، دفع الولايات المتحدة إلى نصح رعاياها بمغادرة أديس أبابا بأسرع وقت ممكن، وقامت بتشكيل فريق مهمات للإشراف على عملية الإخلاء.
من الواضح أن الوضع في إثيوبيا بات يشكل قلقا فعليا ليس للولايات المتحدة وحدها، إنما لدول القرن الإفريقي والقارة الإفريقية والعالم على حد سواء، إذ إن اتساع رقعة الاشتباكات ووصولها إلى العاصمة أديس أبابا يعني أن إثيوبيا دخلت في حرب أهلية مدمرة، ما يقتضي مسارعة الاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي إلى سرعة التحرك وتكثيف العمل على وقف فوري لإنهاء الاشتباكات، ومباشرة حوار وطني ينزع كل أسباب الخلافات.