الرئيسية / مقالات رأي / الاقتصاد التونسي.. و«الجائحة السياسية»

الاقتصاد التونسي.. و«الجائحة السياسية»

بقلم: عدنان كريمة – صحيفة “الاتحاد”

الشرق اليوم – بعد ما سجل الاقتصاد التونسي انكماشاً بنسبة 8% العام الماضي، متأثراً بتداعيات جائحة كورونا، يواجه حالياً تداعيات ناتجة عن غياب الاستقرار السياسي، أو ما أطلق عليها الرئيس قيس سعيّد «الجائحة السياسية»، والتي أدت إلى فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط ضرورة توفر الاستقرار السياسي والتَّوافُق بين جميع الأطراف المكوِّنة للمجتمع التونسي ومنظماته الوطنية، إلى جانب الالتزام بتنفيذ الإصلاحات المتأخرة، والتي تساعد على معالجة الأزمة المالية، وتشجيع الاستثمار بتوفير الحوافز للمستثمرين، خصوصاً لجهة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بما يمكِّن من تعبئة الموارد الضرورية ويَقي البلادَ خطرَ الإفلاس والفوضى.

لقد عاشت تونس نحو تسع سنوات بعد الثورة، تمكنت خلالها من استكمال مراحل الانتقال السياسي، وقطعت شوطاً في مسيرة تحقيق الديمقراطية التي برزت بنتائج انتخابات عام 2020 في أرقى تجلياتها عندما أبعد التونسيون مرشَّحي الأحزاب وأحدثت صناديقُ الاقتراع ما وصفَه المراقبون بـ«الزلزال السياسي» أو الضربة الموجعة بالنخبة السياسية الحاكمة، وأدى ذلك إلى انتخاب الرئيس قيس سعيّد رئيساً للجمهورية من خارج الأحزاب.

لكن تونس لم تتمكن من تحقيق نُقلة اقتصادية توازي ما تحقق سياسياً، حيث ظلت الأزمات الاقتصادية تمثل مشكلةً أمام الحكومات المتعاقبة، وأهمها: تفاقم العجز المالي، وارتفاع إنفاق القطاع العام، وانخفاض الإنفاق الاستثماري، وإغراق البلاد في الديون وأعبائها، والتي أصبحت تهدد بتدهور سعر صرف الدينار التونسي، في ظل استمرار حالة عدم استقرار الوضع الاجتماعي، وارتفاع نسبة البطالة وتراجع فرص العمل، فضلاً عن مخاطر الاقتصاد الموازي.

وكذلك لم تنجح في تحقيق أهداف مخَطَّطَين إنمائييْن خلال السنوات العشر الماضية، أولهما كان بين عامي 2011 و2015، وثانيهما كان بين عامي 2016 و2020.

ولعل الأخطر من ذلك هو اعتماد تونس على الاقتراض لحل مشاكلها المالية، حتى أصبحت من البلدان الأكثر اقتراضاً، مع العلم أن الدَّين الخارجي نشأ بعد الاستقلال، وكان يفترض به أن يكون أداةً أساسيةً لتحقيق «التنمية الاقتصادية والاجتماعية» المنشودة، لكنه استمر كأداة لتمويل العجز المالي المتراكم، حتى أن صندوق النقد، وهو المقرِض الأكبر لتونس، وجّه انتقادات لها على خلفية توجيه القروض لدفع أجور الموظفين في القطاع العام وعدم توظيفها في مشروعات التنمية القادرة على توفير فرص عمل لأكثر من 630 ألف عاطل عن الشغل. وفي ضوء المؤشرات السلبية المتراكمة، تحتاج تونس إلى تمويل بنحو6 مليارات دولار لإقفال عجز موازنة العام الحالي.

وقد طلبت من صندوق النقد في مفاوضات جرت في مايو الماضي قرضاً بقيمة 3.8 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات، لكن المفاوضات تعطلت نتيجة خلافات سياسية مستحكمة، حملت الرئيس سعيّد، في 25 يوليو، على اتخاذ تدابير استثنائية شملت تجميد مجلس النواب وإقالة حكومة هشام المشيشي، وأخيراً تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجلاء بودن التي أعلنت أنها ستواجه الصعوبات المالية والاقتصادية، وستحارب الفساد، وستستجيب لمطالب التونسيين المحقة. وفي انتظار تحقيق ذلك، تحاول تونس التغلب على مشكلاتها، فبالإضافة لتعثر النمو الاقتصادي غير المسبوق وآثار جائحة كورونا، هناك أزمة سياسية دستورية.

ويدفع التونسيون فاتورةَ الخلافات السياسية، وفاتورة الأزمة الصحية، فضلاً عن إهمال السياسيين للإصلاحات المطلوبة، رغم التحذيرات المتكررة من جانب مؤسسات التمويل الدولية ووكالات التصنيف العالمية، ومنها وكالة «فيتش» التي أكدت صعوبة الاتفاق مع صندوق النقد، ووكالة «موديز» التي خفَّضت التصنيف السيادي لتونس مع «آفاق سلبية»، ما يجعل إمكانية حصولها على قروض خارجية عمليةً صعبةً بسبب ارتفاع المخاطر.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …