بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- في اللقاء الذي جمع الرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون في مقر السفارة الفرنسية في روما، الجمعة الماضي، برز حرص من الجانبين على تجاوز أزمة الغواصات الأسترالية، التي تسببت الشهر الماضي بإثارة خلاف غير مسبوق بين واشنطن وباريس، بلغ حد استدعاء الإليزيه السفير الفرنسي في الولايات المتحدة.
وفي ما يشبه الاعتراف بالخطأ، أقر بايدن أمام ماكرون بأن إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية لأستراليا، واستبدال غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي بها، كان تصرفاً “لا يتسم بقدر كافٍ من اللياقة”، ليضيف: “كان لديّ انطباع بأنّ فرنسا قد أُبلِغت مسبقاً بأنّ عقد (الغوّاصات الذي أبرمته مع أستراليا) لن يتمّ. أمام الله، أؤكّد لكم أنّني لم أكن أعلم بأنّكم لم تكونوا” على دراية بذلك. وأكد أن فرنسا “أقدم حليف للولايات المتحدة”.
وبذلك، أراد بايدن أن يستعيد الانطباع الذي تكون لدى دخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني (يناير) الماضي، من أنه سيعمل جاهداً على ترميم العلاقات بين ضفتي الأطلسي، والتي تضررت كثيراً في عهد سلفه دونالد ترامب. أما أزمة الغواصات، فدلت الى أن بايدن لا يقرن الأقوال بالأفعال، وأنه مستعد للتضحية بحلفائه عندما يرى أن مصلحة أميركا تتطلب ذلك.
وأتت أزمة الغواصات وإنشاء تحالف “أوكوس” بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وما استتبعه ذلك من إلغاء لصفقة الغواصات الفرنسية، بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والذي قرره بايدن بمعزل عن الحلفاء الأوروبيين، الأمر الذي أثار قلقاً أوروبياً فعلياً حيال توجهات إدارة بايدن، إلى الحد الذي اتهم فيه وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان أميركا “بطعن فرنسا في الظهر”.
وإلى أزمة الغواصات، التي كان عقدها سيدرّ عشرات مليارات الدولارات على فرنسا، فإن تحالف “أوكوس” بحد ذاته، وتجاهل مصالح فرنسا في المحيطين الهندي والهادئ، شكلا ضربة معنوية أخرى لمكانة فرنسا الدولية، علماً بأن لديها وجوداً في المنطقة، وكان من المنطقي إشراكها في الحلف المعد لمواجهة الصين. وجدير بالذكر أن نحو مليون مواطن فرنسي يقيمون في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وينتشر هناك ما يربو على 7 آلاف جندي فرنسي. وأدى اقتصار “أوكوس” على الدول الثلاث الناطقة بالإنكليزية، إلى مضاعفة شعور المرارة لدى باريس.
وتبعاً لذلك، بدأ الأوروبيون، لا سيما فرنسا وألمانيا، مناقشات جدية لتأسيس قوة دفاع أوروبية مستقلة عن الولايات المتحدة. وسبق لماكرون أن اعتبر في كلام له العام الماضي، أن حلف شمال الأطلسي “دخل في موت سريري”. ودعا بلاده إلى “التخلي عن السذاجة واستخلاص العبر من الخيارات الاستراتيجية للولايات المتحدة”. وطالب مراراً بتكثيف المشاورات لرسم استراتيجية دفاعية وسياسة مستقلة للاتحاد الأوروبي عن أميركا، من طريق رفع نسبة المساهمة في صندوق الدفاع الأوروبي بقيمة 8 مليارات يورو على مدى السنوات الست المقبلة، لدعم القدرة التنافسية لصناعة الدفاع المشتركة.
ويبقى السؤال عن واقعية المضي في تأسيس دفاع أوروبي مستقل عن حلف شمال الأطلسي، وهل ستقابل الولايات المتحدة هذه الخطوة بإيجابية، أم أنها ستعتبرها بمثابة تقويض للحلف الأطلسي الذي أنشئ عام 1949 للدفاع عن المصالح الغربية في العالم؟
وتأسيس قوة أوروبية مستقلة يحتاج أول الأمر إلى زيادة الموازنات الدفاعية لدول القارة. ولذلك تلقى الفكرة تحفظاً من جانب بعضها، وخصوصاً الدنمارك وبولونيا اللتين أبدتا معارضة لهذه الفكرة. وعليه، ستبقى فرنسا وألمانيا هما محور أي عمل في اتجاه وضع مسألة القوة الأوروبية المستقلة موضع التنفيذ.
وعموماً، باتت مسألة الدفاع الأوروبي المستقل، مسألة مطروحة للنقاش، حتى ولو تم رأب الصدع في العلاقات الأطلسية. وكان ماكرون واضحاً عندما أبدى رغبة في طي صفحة الغواصات. لكنه لم ينسَ أن يضيف: “علينا أن نفكر في المستقبل”. وهذا كلام يحمل أكثر من تأويل!!!