بقلم: ناتاشا كاسام
الشرق اليوم – بدأ الأمر بسؤال بريء من الجمهور عندما سأل طالب الرئيس بايدن عما إذا كان سيتعهد بحماية تايوان من الصين، أم لا. وكان رد بايدن: «نعم» سريعاً، ثم «نعم» مرة أخرى عندما ضغط عليه أحد مذيعي «سي إن إن». كان الرد بمثابة خبر عاجل انتشر في العالم، لكن البيت الأبيض تحرك على الفور للتراجع عن التعليقات.
كان الخلاف حول السياسة الخارجية قصيراً، ولكنه أكد المخاطر الكبيرة عندما تعلق الأمر بتايوان. العلاقات بين الصين وتايوان في أسوأ مراحلها منذ عقود، والاستفزازات العسكرية آخذة في الارتفاع، حيث عبرت أعداد قياسية من الطائرات الحربية الصينية إلى منطقة الدفاع الجوي التايوانية في الأسابيع الأخيرة، في تذكير صارخ برغبة بكين في استيعاب تايوان.
دعا بعض المشرعين الأميركيين – في كلا الحزبين ورددها مسؤولون ومعلقون سابقون – واشنطن إلى الالتزام بضمان أمني ثابت تجاه تايبيه، والتخلي عن سياسة الغموض الاستراتيجي الأميركية القائمة منذ فترة طويلة، أو على الأقل التفكير بجدية في القيام بذلك، وقد أثار ذلك سؤالاً عما إذا كانت الولايات المتحدة ستقدم يد المساعدة لتايوان في حالة تعرضها لهجوم من الصين، أم لا.
لذلك عندما قال الرئيس بايدن بشكل لا لبس فيه، إن الولايات المتحدة ملتزمة الدفاع عن تايوان، أوضح البيت الأبيض بسرعة أنه «لا يوجد تغيير» في سياسته.
وسواء أخطأ بايدن ببساطة أو كان يشير إلى عزمه بشأن الصين، فإن اقتراح التحول إلى الوضوح الاستراتيجي أثار استجابة حذرة من تايوان، حيث حذر مكتب الرئيس الأميركي تايوان من «التقدم بتهور» عندما تتلقى الدعم.
لا ينبغي لهذا أن يكون مفاجأة، لكن النقطة المفقودة في الخطاب الأميركي هو إرادة شعب تايوان. فكثير من الغرباء – بمن فيهم أنا – يفكرون فيما يجب فعله بشأن تايوان، ويبدو أن قليلاً منهم يستمع إلى ما تقوله تايوان بالفعل.
أدرس الرأي العام والسياسة الخارجية وتخصصت في الصين وتايوان، وشاهدت القلق بشأن مضيق تايوان يصل إلى ذروته، وها هي الاقتراعات والنقاشات الساخنة في ديمقراطية تايوان التي دامت لقرون، تقدم نظرة ثاقبة لما تتطلع إليه تايوان حقاً.
من الواضح أن جميع سكان تايوان تقريباً لا يريدون الوحدة مع الصين، ويريدون الاستمرار في عيش حياتهم بالشكل الذي يرونه مناسباً، في ظل حكومة منتخبة ديمقراطياً.
في الواقع، يرغب غالبية سكان تايوان – 87 في المائة، وفقاً لاستطلاع حديث – في الحفاظ على الوضع الراهن بأي شكل من الأشكال. والوضع الراهن يعني الحفاظ على الاستقلال الفعلي مع تجنب انتقام الصين. وتزداد نسبة سكان تايوان الذين يرغبون في الحفاظ على الوضع الراهن إلى أجل غير مسمى، وهو ما يعد أفضل سيناريو وسط عدد لا يحصى من الخيارات التي لا تحسد عليها.
من المؤكد أنه إذا لم يكن هناك خطر الغزو من قبل الصين، فإن الأغلبية ستختار الاستقلال، لكن الرئيس الصيني شي جينبينغ أوضح أن مثل هذا الإعلان غير متاح لتايوان، لذا فإن الوضع الراهن عملي ومفضل عما سواه.
كانت ردود تايبيه على تهديدات بكين حازمة، لكن الدولة الجزيرة حذرت من إجراء تغييرات أحادية الجانب للوضع الراهن. ودعت رئيسة تايوان تساي إنغ وين إلى «الحفاظ عليها» في خطابها الأخير بمناسبة اليوم الوطني قائلة: «سنبذل قصارى جهدنا لمنع تغيير الوضع الراهن من جانب واحد». ورغم أن «الوضع الراهن» بالنسبة لتايوان ليس فكرة ثابتة، فإن الخطوط العريضة للسياسة الصينية والأميركية والتايوانية تحدد تقريباً ما هو مقبول على أنه الوضع الراهن.
يمكن أن تبقى تايوان دولة مستقلة، لها انتخاباتها وقضاؤها وعملتها وجيشها. الصين لا تتنازل عن مطالبتها بتايوان، وتتجنب الدول الأخرى الاعتراف بتايوان كدولة ذات سيادة، وتسعى بدلاً من ذلك إلى إقامة علاقات غير رسمية معها. وتبيع الولايات المتحدة أسلحة لتايوان للدفاع عن النفس، ولا توضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع، أم لا، عن تايوان حال قامت الصين بغزوها، وهو ما يعمل على ردع بكين بدون استفزازها.
وقالت افتتاحية حديثة لصحيفة «تايبيه تايمز» إن «تساي هي التي حددت النغمة، ليست هناك حاجة لتايوان لإعلان الاستقلال». وشأن تساي، فإن شخصيات بارزة من مختلف الأحزاب في تايوان تطالب بالدعم الدولي، بينما تحث على الحذر من التصعيد. ويحذر التايوانيون ذوو النفوذ من الترويج للحرب وسن السيوف. ويساعد كل ذلك في تفسير سبب إثارة تصريحات الرئيس بايدن الأسبوع الماضي لمثل هذا القلق. وقد حذر مسؤول في بكين من أن الولايات المتحدة يجب أن «تكون حذرة في كلامها».
من المرجح أن تفسر الصين التحول إلى الوضوح الاستراتيجي بدلاً من الغموض الاستراتيجي، على أنه إشارة إلى أنَّ واشنطن تعتزم دعم الإعلان الرسمي لاستقلال تايوان. ثم يمكن للرئيس شي أن يدعي أنه ليس لديه خيار سوى العمل العسكري، لتكون حياة الملايين من سكان تايوان على المحك.
ولكي نكون واضحين، فإن عدوان الصين هو الذي يهدد الأرواح في تايوان، حيث تشكل الغارات الجوية المتزايدة تحدياً للوضع الراهن. ورداً على ذلك، شدد قادة تايوان على المرونة المحلية، بينما طالبوا الشركاء بالدفاع عنها في المؤسسات الدولية. وبدلاً من الدعوة إلى ضمان دفاعي متبادل صريح، تسعى تايبيه إلى مزيد من التعاون الأمني والروابط الاقتصادية وفرص الانضمام إلى المبادرات التجارية الإقليمية.
هذه التحركات ليست محاولة لتغيير الوضع الراهن، بل هي استجابة لجهود الصين لقلب التوازن. فمطالب تايوان محسوبة ومعتدلة، وهي مصممة لخلق مساحة أكبر لها للوجود من دون تجاوز الخطوط الحمراء لبكين.
تلعب الولايات المتحدة دوراً مهماً في إبراز تهديدات الصين، وأنه لن يتم التسامح معها من دون تكلفة. إن تقارب تايوان والولايات المتحدة يمكن أن يساعد في الحفاظ على السلام، ويتم دعم ذلك من قبل غالبية الناس في تايوان. يريد ثلاثة أرباع الناس هناك من الولايات المتحدة مساعدة تايوان على المشاركة بالدعم في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية.
تُظهر الإشارات من واشنطن إلى طوكيو وكانبيرا وسيول وبكين أن تايبيه ليست معزولة، لكن خطر سوء التقدير كبير. ففي هذه اللحظة العصيبة يجب أن يكون رد الولايات المتحدة هو اتباع خطى تايوان.
وبخلاف ذلك، فإن الخطر يكمن في أن دولاً مختلفة ستتجه على وجه السرعة تجاه أوضاعها الداخلية، حيث تقترب تدريجياً من حرب كارثية من دون الرجوع إلى شعب تايوان أو اعتبار تايوان مشكلة يجب حلها أو نقطة اشتعال أو أخطر مكان في الأرض. فهي ليست ديمقراطية سلمية لـ24 مليون مواطن.
بطبيعة الحال، إذا اتخذت بكين إجراءات عدائية، فإن كل الرهانات ستنتهي، ولن يكون المسار المعتدل للرئيسة تساي قابلاً للاستمرار، وستحتاج تايبيه إلى التطلع إلى واشنطن للحصول على دعم لا لبس فيه.
لكن من غير المرجح أن يحدث هذا على المدى القصير حيث يتفق مسؤولو الدفاع في الولايات المتحدة وتايوان، على أن الصين قد تكون على بعد عدة سنوات من امتلاك القدرة على غزو تايوان. وتتطلب مساعدة تايوان فهم التاريخ والتطلعات السياسية لشعب تايوان. نعم، هناك حاجة إلى ردود مدروسة لأفعال بكين الاستفزازية، لكن أولئك الذين يرغبون في المساعدة يجب أن يأخذوا إشاراتهم من الأشخاص الذين يدعون أنهم يدافعون عنها.
ترجمة: الشرق الأوسط