بقلم: عبدالحق عزوزي – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- كتبتُ هنا منذ أسابيع مضت أن “العالم المناخي ليس بخير، وما سنتركه لأبنائنا لن يكون مصدر فخر لهم، وسيحمل جيلنا مسؤوليةً كبيرةً أمام الله وأمام التاريخ لما يجري وسيجري في المستقبل القريب.. فلا المؤتمرات الدولية ولا القمم ولا المنشورات العلمية ولا أنشطة المجتمع المدني العالمي ولا الصيحات المتكررة التي تقوم بها المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ولا التقارير المتتالية نجحت لحد الساعة في إيقاف التغيرات المناخية التي أضحت كارثية وسريعة أكثر من أي وقت مضى، ففي تقرير أممي أخير، يشير الخبراء إلى أن هاته التغييرات ستستمر في منحاها التصاعدي في المستقبل عبر زيادة تواتر العديد من الظواهر الجوية والمناخية القاسية. زد على ذلك أن بعض الظواهر ستبقى غير قابلة للحل إلى أبد الآبدين..”. كنت أتمنى أن أكون مخطئاً في تشاؤمي، لكن الحقيقة هي ما أكدته مخرجات اجتماع مجموعة دول العشرين التي اجتمعت منذ أيام في روما. فالجميع كان ينتظر من هذه الدول الأكثر تصنيعاً والأكثر تلويثاً إشارات واضحة، قوية وواقعية فيما يتعلق بمسالة المناخ، خاصة وأن المجموعة تعقد اجتماعها عشية افتتاح مؤتمر الأطراف (كوب-26) في غلاسكو.
ومما يزيد الطين بلةً أن ثاني أوكسيد الكربون يزداد تركيزه في الغلاف الجوي نظراً لاستمرار حرق مزيد من الوقود الملوِّث للبيئة، وتنوع نشاطات الإنسان الصناعية المختلفة، سواء المتعلقة بإنتاج الطاقة الكهربائية من الوقود الأحفوري أو المتعلقة بالصناعات الثقيلة كالحديد والصلب والإسمنت وغيرها. ويمكن أن يتفاجأ القارئ إذا أكدنا له أن سيارة واحدة تطلق في المتوسط، وخلال فترة حياتها، نحو مائة طن من هذا الغاز.
قمة مجموعة العشرين صادقت على حد أدنى من الضرائب المفروضة على الشركات متعددة الجنسية، ووقّع نحو 136 بلداً، تمثل معاً أكثر من 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، اتفاقاً بوساطة منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لفرض ضرائب أكثر إنصافاً على الشركات متعددة الجنسية وفرض ضريبة دنيا على الشركات العالمية تبلغ نسبتها 15 في المئة. واعتبر العديد من الخبراء أن هذا الاتفاق يشكل سابقةً وأنه خطوة تاريخية.
لكن ذلك قد لا يحقق متطلبات الشعوب وتطلعاتها، فبدل الخوض في المشاكل الحقيقية لإيجاد حلول جذرية، تخوض الدول المصنّعة في مواضيع ثانوية يمكن أن تتبناها منظمات دولية أخرى. والطامة الكبرى أن هذه المشاكل، خاصة المناخية منها، هي من صنع تلك الدول المصنعة نفسها. فمجموعة العشرين التي تضم دولاً متقدمة مثل الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي واقتصادات ناشئة كبيرة مثل الصين وروسيا والبرازيل والهند، تمثل 80 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية. ولا يَخفى أن نشاطاتها البشرية هي التي تتسبب في كل هذه المصائب، وهذا ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تعليقه على آخر تقرير أممي بشأن المناخ، يقول “إنه إنذار أحمر للبشرية. أجراس الإنذار تصم الآذان: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تخنق كوكبنا”.
وللأسف الشديد فإن الدول الصناعية الأكثر تلويثاً، مثل أمريكا والصين، لا تفكر إلا في مصالحها الصناعية والاقتصادية الآنية ولا تفكر في مصير أبنائها ولا الأجيال المقبلة، وتدّعي في خرجاتها الدولية أنها تقوم بإجراءات لتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم. ومنذ أيام نشر “الديمقراطيون” الأمريكيون مذكرة كشفت أن شركات النفط لا تنفق سوى جزء ضئيل من حملات الترويج على تغير المناخ على الرغم من تأكيدها أنها تعتبر ذلك أولوية. واجتمع البرلمانيون خلال جلسة للكونغرس الأميركي مع ممثلي شركات النفط العملاقة، واتهموهم بالسعي لإخفاء آثار أنشطتهم على المناخ، متسائلين عن مدى جديتهم في الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحترار الأرضي.
في الدول الصناعية الكبرى هناك تداخل للمصالح الاقتصادية والصناعية مع أصحاب القرار السياسي، وهو ما يوقف كل السياسات الحكومية المتعلقة بالتصدي للتغير المناخي. فقط عندما تكون مصالح أرضنا ومصالح البشر الحقيقية هي الأقوى، آنذاك ستضع الدولُ السياساتِ المناخيةَ في قلب أمنها القومي وتخطيطها الداخلي.