الشرق اليوم- حين غادرت الولايات المتحدة أفغانستان، أخذت أموالها معها ورحلت! ولحسن الحظ، كان القادة في آسيا الوسطى وجنوب آسيا، لا سيما أوزبكستان وباكستان، قد خططوا لربط مختلف المناطق وزيادة العمليات التجارية والفرص، وفي شهر يوليو الماضي، اجتمع رئيس أوزبكستان شوكت ميرزيوييف مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في طشقند، ووقّعا على اتفاقيات لتحديث العلاقات الاقتصادية بين البلدين. لو استمر انتشار قوات حلف الناتو، لكانت دول آسيا الوسطى وجنوب آسيا ستخطط لعملياتها التجارية عن طريق أفغانستان شبه المستقرة، وكانت هذه المشاريع ستقدم فرصاً قيّمة إلى الأفغان، لكن بعد الانسحاب العسكري، تقع مهمة إنشاء الروابط التجارية في أنحاء أفغانستان على القادة المحليين اليوم، علماً أن أي حكومة لم تعترف بعد بحركة “طالبان” كحاكمة شرعية للبلد.
يجب أن تطوّر آسيا الوسطى روابط تجارية مع الجنوب لاستكمال الطرقات القائمة باتجاه الشمال والشرق والغرب، إذ تُعتبر الطريق المؤدية إلى باكستان الأكثر أهمية، لكنّ الخطة الاحتياطية في هذه المنطقة تمرّ بإيران التي أصبحت معزولة عن عدد كبير من الشركاء التجاريين، لكنها تتمتع باستقرار داخلي.
سيكون تعزيز الروابط بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا ضرورياً إذا أرادت هذه المناطق أن تتهرب من نفوذ روسيا والصين، فقد سبق أن أقامت تركمانستان وأوزبكستان، على حدود أفغانستان، علاقات مع حكومة “طالبان” لأن عدداً كبيراً من المشاريع الاقتصادية يتطلب وضعاً مستقراً في أفغانستان.
نجحت باكستان في ترسيخ مكانتها عبر دعم الولايات المتحدة في حربَين داخل أفغانستان وحصدت منافع مالية كبرى خلال هذه العملية، كما أنها شريكة للصين في “الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني” الذي تصل قيمته إلى 62 مليار دولار، وهو أكبر مشروع في “مبادرة الحزام والطريق”. اليوم، قد تصبح باكستان شريكة آسيا الوسطى كونها تربط المنطقة بممرات التجارة البحرية عبر موانئ مثل كراتشي وجوادر، ويشمل السوق الداخلي الكبير في باكستان أكثر من 200 مليون شخص، 60% منهم تحت عمر الثلاثين.
في أفغانستان، لم تكن الولايات المتحدة وباكستان تخوضان الحرب نفسها. اتّهم المسؤولون الأمريكيون باكستان بخوض “لعبة مزدوجة”، لكن كانت إسلام أباد حينها تتطلع إلى “اللعبة المقبلة”، أي الصراع مع الهند. توقّعت الولايات المتحدة انتهاء الأعمال العدائية رسمياً بعدما هزمت “طالبان” وأعادت هيكلة المجتمع الأفغاني، لكن كانت باكستان تعرف أنها ستضطر للتعامل مع الهند حتى لو رحلت الولايات المتحدة بعد تحقيق النصر، وقد أدركت أن الحرب في أفغانستان كانت مجرّد طريقة للاستعداد للمرحلة اللاحقة من الصراع، حيث تستطيع باكستان أن تستعمل “طالبان” لبناء “عمق استراتيجي”، وتجنيد المقاتلين ضد الهند في كشمير، وتلقي الأموال مقابل مساعدة الولايات المتحدة.
تقتصر السياسة الأمريكية في أفغانستان اليوم على “النساء والفتيات”، لكنها تتجاهل المسؤولية التي يتحمّلها القادة في آسيا الوسطى وجنوب آسيا لتحديد مصير أولئك النساء والفتيات، فيجب ألا تسمح الولايات المتحدة لخلافاتها مع “طالبان” بإعاقة الاتفاقيات التجارية الإقليمية التي يُفترض أن تشمل حكومة كابول، لأنها قد تعطي بذلك فوزاً سياسياً (ومكاسب مالية غير متوقعة) إلى روسيا والصين عبر الحدّ من الخيارات التجارية في المنطقة.
مرّر مجلس الشيوخ الأمريكي “قانون مكافحة الإرهاب والرقابة والمساءلة في أفغانستان” في عام 2021، وهو يوجّه إدارة بايدن نحو “تطوير استراتيجية مُعدّلة بشأن آسيا الوسطى وجنوب آسيا”، كما أنه يطالب بإجراء تقييم للدعم الباكستاني لحركة “طالبان” بين عامي 2001 و2021.
لن يطرح ذلك التقييم أي حقائق مفاجئة، إذ من المعروف أن باكستان كانت مقرّبة من “طالبان”، لكنه سيكشف هوية بعض العقداء الباكستانيين المجهولين (تكون ترقيتهم إلى رتبة عميد مضمونة عموماً إذا أدانهم أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي علناً).
أمام هذا الوضع، ما أفضل خطة أمريكية ممكنة؟
أولاً، يجب ألا تؤدي واشنطن دوراً تخريبياً، إذ من المتوقع أن تدفع إعاقة المشاريع التي تفيد اقتصاد أفغانستان وباكستان بدول آسيا الوسطى وجنوب آسيا إلى أحضان روسيا والصين.
ثانياً، يجب أن تضع الولايات المتحدة خطة مناسبة على المدى الطويل، مما يعني أن تدعم مشاريع البنى التحتية الإقليمية الآن بدل انتظار نشوء حكومات ضعيفة في إسلام أباد وكابول.
أخيراً، يجب أن تنفّذ واشنطن أقوالها: إذا كانت السياسة الأمريكية في آسيا الوسطى تتمحور فعلاً حول “السيادة، والاستقلال، ووحدة الأراضي”، فسيكون ضخ الأموال للجهات المحلية أفضل طريقة لتحقيق هذه الأهداف.