بقلم: بيشوي رمزي – اليوم السابع
الشرق اليوم- ربما لم يعد الحديث عن النجاح المنقطع النظير الذي تحققه الدبلوماسية المصرية، في الآونة الأخيرة، في توسيع دوائرها، مجرد “حبر على ورق”، خاصة مع التطور الكبير الذي يشهده التحالف الثلاثي الذي دشنته القاهرة، في أعقاب ثورة 30 يونيو، مع كلا من قبرص واليونان، وما نجم عنه من عوائد كبيرة، خاصة على المستوى الاقتصادي، وهو ما تجلى في منتدى الغاز، وما يتحقق عنه من طفرة اقتصادية عملاقة، للدول الثلاثة عبر إرساء مبدأ “الشراكة”، بعيدا عن سياسات الاعتماد على “الدعم” القادم من القوى الدولية الكبرى، والتي استمرت لعقود طويلة من الزمن، وذلك بعد فترات عصيبة، تراوحت بين فوضى الإرهاب تارة، وتبعات الأزمات المالية التي ضربت العالم منذ عام 2007، تارة أخرى، بينما كانت له ثماره السياسية، عبر توطيد الدور الذي تلعبه الدول الثلاثة، في مناطق تتجاوز حدودها الجغرافية، خاصة مع اتساع نطاق التهديدات التي تتعرض لها كافة دول العالم، والحاجة إلى المزيد من التعاون والتنسيق.
التحالف المصري مع اليونان وقبرص، ربما يمثل انعكاسا لنهج جديد تتبعه الدبلوماسية المصرية، يقوم على اكتشاف القوى الوليدة، في العديد من مناطق العالم، على عكس ما اعتمدته من قبل في علاقتها مع دول أوروبا الرئيسية، على غرار ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وغيرهم، في إطار دائرتها المتوسطية، بينما لم يكن هناك اهتمام كبير، خلال عقود ما قبل 30 يونيو، بدول القارة الأخرى، ربما بسبب تعثراتها الاقتصادية، أو من ناحية الدور السياسي، والذي يصب في صالح القوى الأخرى، والتي كانت تحظى، خلال عقود ما بعد الحرب الباردة، بعلاقة قوية مع الولايات المتحدة.
ولعل نجاح التحالف الثلاثي، كان ملهما إلى حد كبير على العديد من المستويات، إلى الحد الذي دفع قوى عديدة إلى السير على نفس النهج، منها في منطقة الشرق الأوسط، هو ما بدا في التحالف الذي جمع بين مصر والأردن والعراق، ولكن الأهم من ذلك استلهامه أوروبيا، عبر مساعي قوية من قبل دول أوروبية، تبدو صاعدة بقوة، للتقارب من مصر، وهو ما يبدو بوضوح في العديد من الشواهد، التي ظهرت في الأشهر الماضية، ربما دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لحضور قمة “فيشجراد”، والتي تضم عددا من الدول التي يمكننا وصفها بـ”الشابة” في القارة العجوز، وعلى رأسها المجر والتشيك وسلوفاكيا وبولندا، في خطوة تمثل محاولة لاستقطاب الدعم المصرى، لهم حتى يتسنى لهم القيام بدور أكبر في مناطق تتجاوز حدودهم الجغرافية، بالإضافة إلى زيارة الرئيس الروماني، كلاوس يوهانيس، الأخيرة إلى القاهرة، في انعكاس صريح لمحاولات أوروبية لاستلهام التجربة اليونانية والقبرصية، عبر البوابة المصرية.
وتعد محاولات دول أوروبا الصاعدة لاستقطاب مصر، بمثابة أحد “إرهاصات” مرحلة جديدة، تشهد “مخاضا”، في ظل ارتباك القوى الرئيسية بالقارة، إثر تغيرات اقتصادية وسياسية عميقة، تحمل في طياتها الكثير من الأبعاد، ربما أبرزها، تنامى نفوذ تيارات اليمين، من جانب، بالإضافة إلى زيادة المخاطر الناجمة عن سياسات الحدود المفتوحة، من جانب أخر، ناهيك عن التخلي الأمريكي عن حلفاء “المعسكر الغربي” من جانب ثالث، لتضع مستقبل القوى التقليدية في أوروبا على المحك، ويصبح محل شك كبير، وبالتالي أصبحت هناك حاجة ملحة لصعود قوى جديدة، خاصة من دول وسط وشرق أوروبا، يمكنها القيام بدور أكبر.
صعود الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى الجديدة، ليس وليد اللحظة، وإنما بدا قبل سنوات، عندما قررت واشنطن عقد اجتماع في العاصمة البولندية وارسو، لمناقشة مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط، بينما ثارت الكثير من الأحاديث حول نقل قطاع كبير من القوات الأمريكية المتمركزة في القارة العجوز نحو الشرق، في إطار الرغبة الأمريكية العارمة للسيطرة على منطقة المحيط الهادي، في ظل الصراع الشرس مع الصين ومحاولات واشنطن للتضييق عليها، خاصة مع تنامي حرب النفوذ، ومساعى بكين لتقديم أوراق اعتمادها لتقديم نفسها كقوى دولية فاعلة في النظام الدولى.
وهنا يمكننا القول بأن الدول الصاعدة في أوروبا ربما اكتشفت الحاجة الملحة للفوز بدعم مصر، في المرحلة المقبلة، حتى يتسنى لها مواكبة الصعود الذي تحققه، بما يسمح لها القيام بدور أكبر على المستوى الدولى، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، والتي تعد بمثابة أحد أهم مناطق النفوذ في العالم، وهو الأمر الذى لا يمكن تحقيقه بعيدا عن مصر، ناهيك عن محاولة استلهام نجاح التجربة اليونانية والقبرصية، والتي عادت عليهما بنجاحات اقتصادية كبيرة لا يمكن تجاهلها.