الشرق اليوم- منذ شهر يونيو الماضي، ترفض الجمهورية الإسلامية الإيرانية العودة إلى طاولة المفاوضات لإعادة إحياء الاتفاق النووي الذي أُبرِم في عام 2015 ويُعرَف رسمياً باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وفي الوقت نفسه، كثّفت طهران نشاطاتها النووية وأبطأت عمداً مسار المحادثات لجمع النفوذ الذي تحتاج إليه لانتزاع تنازلات إضافية من واشنطن، لكن يحذر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، من احتمال أن تخسر إيران فرصة إعادة الانضمام إلى الاتفاق إذا لم تتحرك قريباً، مما يحرم البلد من منافع تخفيف العقوبات.
تدرك إدارة بايدن على ما يبدو أن طهران تستغل صبر واشنطن لتحقيق أهدافها الخبيثة، لكن الولايات المتحدة فشلت في استخلاص الاستنتاج المناسب من هذا الوضع: في نهاية المطاف، لا تنوي إيران التوصل إلى اتفاق يتماشى مع مصالح الغرب، بما في ذلك كندا، بل يسعى النظام الديني إلى استرجاع الموارد التي خسرها وتصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، تزامناً مع الحفاظ على أكبر تقدّم ممكن في مشروعه النووي.
لتحقيق هذا الهدف، قد تحاول طهران التفاوض على أبسط اتفاق ممكن من حيث حجم المكاسب التي يحصدها الطرفان، فتعرض واشنطن رفع العقوبات “جزئياً” مقابل تقديم تنازلات نووية “جزئية”، برأي جاكوب ناغيل وريتشارد غولدبيرغ من “مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات”، قد تسمح هذه المقاربة لإيران بالاستفادة من التنازلات الأميركية النووية “الجزئية”، فتفرض بذلك نقطة انطلاق جديدة لأي محادثات نووية مستقبلاً، وفي غضون ذلك، قد تستعمل طهران التدفقات النقدية الجديدة لمتابعة تمويل نشاطاتها العدائية إقليمياً وحملاتها القمعية محلياً.
حتى لو فشل النظام إذاً في تحقيق كل ما يريده خلال المفاوضات المرتقبة، لن تستفيد إيران إلا من هذه الاستراتيجية كونها تسمح للملالي بتحسين الظروف النووية والاقتصادية التي تصبّ في مصلحتهم، وتدفع الولايات المتحدة إلى التوسّل لنيل بعض التنازلات.
قد توافق إدارة بايدن من جهتها على هذا النوع من الاتفاقيات لتحقيق مكاسب متوسطة على المستوى الدبلوماسي، فتتعامل مع أي تنازل إيراني، مهما كان بسيطاً، وكأنه تطور مهم لتبرير تخفيف العقوبات الأميركية، قد يرغب فريق بايدن في الاستفادة من هذا التقدم الوهمي خلال الجولات اللاحقة من المفاوضات لإعادة إحياء “خطة العمل الشاملة المشتركة” بالكامل في نهاية المطاف.
مع ذلك، بدأت واشنطن تستعد لاحتمال أن تفشل المفاوضات مع إيران، قد تغيّر طهران رأيها وتتخلى عن استراتيجيتها الأولية وتتبنى موقفاً متطرفاً لانتزاع تنازلات أميركية إضافية، أو ربما يقرر النظام الإيراني الانسحاب من المحادثات بشكلٍ دائم لأنه يثق بقدرته على تحمّل أي ضغوط أميركية انتقامية.
أمام هذا الوضع بدأت إدارة بايدن، بالتعاون مع القادة الإسرائيليين، تُحضّر خطة احتياطية، لكن لم تتضح بنودها بعد.
من جهة، قد تشمل هذه الخطة فرض عقوبات صارمة على إيران، بما يشبه حملة الضغوط القصوى التي أطلقتها إدارة ترامب وحرمت طهران من مليارات الدولارات التي يمكن استعمالها لتنفيذ عمليات إرهابية، لكن رفض بايدن منذ وقت طويل استراتيجية سلفه واعتبرها غير فاعلة وخطيرة، من جهة أخرى، كان وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد، محقاً حين قال خلال اجتماعه الأخير مع بلينكن إن التصعيد النووي الإيراني قد يستلزم تحركاً عسكرياً، لكن من المستبعد أن يدعم بايدن إطلاق ضربة خطيرة سياسياً ضد منشآت إيران النووية بعدما خاض حملته الانتخابية على أساس تهدئة الوضع مع إيران، لذا قد تقع هذه المهمة على عاتق إسرائيل وحدها.
ما سيكون موقف الولايات المتحدة من هذه التطورات كلها؟ في نهاية المطاف، قد يضطر بايدن لتبنّي استراتيجية الضغوط القصوى التي رفضها سابقاً نظراً إلى غياب الخيارات غير العسكرية: إنها الطريقة السلمية الوحيدة لحث إيران على تغيير تصرفاتها الخبيثة، وإذا هاجمت إسرائيل الجمهورية الإسلامية، فقد تدين واشنطن الدولة اليهودية علناً، لكن سرعان ما تجد نفسها في موقف محرج حين تلومها طهران على الهجوم وتردّ عبر مهاجمة المواقع الإسرائيلية والأميركية في الشرق الأوسط.
يجب أن تتحرك الولايات المتحدة سريعاً في مطلق الأحوال، لا يزال التقدم النووي الإيراني مستمراً، وباتت المدة التي يحتاج إليها البلد لإنتاج كمية كافية من المواد الانشطارية المستخدمة في صنع الأسلحة تقتصر على بضعة أسابيع، قد تحتاج طهران في المرحلة اللاحقة إلى سنة أو أكثر لتحويل تلك المواد إلى أسلحة حقيقية، لكن يثبت التقدم الذي يحرزه النظام أن احتمال إنتاج قنبلة إيرانية وشيكة سيُخيّم على أي مفاوضات مستقبلية، يجب أن يوقف الغرب إذاً سياسة الانتظار لأن الوقت بدأ ينفد.