بقلم: إميل أمين – الشرق الأوسط
الشرق اليوم – وقت ظهور هذه الكلمات للنور، تكون أعمال قمة غلاسكو للمناخ في اسكوتلندا في طريقها للانعقاد، والآمال معقودة بناصيتها في مواجهة بشرية غير ملتزمة، كادت تحوّل الكوكب الأزرق إلى اللون الأصفر أو الأحمر، أو إلى أي لون من ألوان الكواكب غير الصالحة للسكنى الآدمية.
آفة حارتنا البشرية هي النسيان، وإلا كنا تذكّرنا مقررات مؤتمر استوكهولم 1972 للبيئة، ذاك الذي أقر التعاون الدولي للعناية بالنظام الإيكولوجي للأرض كلها، والذي وضع قواعد ملزمة لكل من يتسبب في تلوث المناخ، بتحمل التكاليف الاقتصادية الناتجة عن إفساد أمن الأرض، مع واجب تقييم التأثيرات البيئية لكل عمل أو مشروع.
قبل خمسة عقود من اليوم اقتُرح العمل على الحد من تراكم الغازات المسببة للاحتباس الحراري في طبقات الجو العليا، بهدف التصدي للاحترار العالمي، كما وُضع جدول أعمال مع برنامج عمل ووثيقة تتناول التنوع البيولوجي، وأُعلن عن مبادئ متعلقة بالغابات على وجه التحديد.
وعلى الرغم من أن المؤتمر قد مثّل خطوة إلى الأمام، وكان حقاً مبدعاً وبنيوياً في تلك الفترة من الزمن، فإنه تم تنفيذ القليل من الاتفاقيات التي جرى التوافق عليها، ومردُّ ذلك أنه لم يتم وضع آليات مناسبة للرقابة والمراجعة الدورية، وللمعاقبة في حال عدم الامتثال، ولا تزال المبادئ التي أصدرها تنتظر وسائل تنفيذ فعالة ومرنة.
غير أن الطبيعة الغاضبة لم ولن تنتظر، ويشك المرء شكاً قاطعاً أن مناخ الكرة الأرضية يمكن أن يمضي قدماً لخمسة عقود قادمة على هذا النحو من الاختلال، ما يفتح الباب واسعاً لأحاديث عن نهاية العالم أو على نحو أدق نهاية الحضارة الإنسانية في شكلها المعاصر.
أكثر من مرة يحذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من أن الأرض في خطر داهم، وينذر من أن سيف الطبيعة البتار يكاد يهوي على رقبة الإنسانية، وهو الأمر الذي اتفق معه فيه جمهور من العلماء، بعضهم أصدر تقارير تقطع بأن الحياة على الأرض ستضحى شبه مستحيلة بحلول عام 2100، وأن الانحدار القاتل سوف يبدأ من عند عام 2050.
هل يقود الانهيار المناخي إلى انهيار الحضارة الإنسانية بشكل عام، وكما فعلت عوامل سابقة مع الإمبراطورية الرومانية، مع الإسقاط ولا شك على الحضارة الغربية الأوروبية والأميركية بنوع خاص؟
في مؤلفه العمدة «انحطاط وسقوط الإمبراطورية الرومانية» يحدّثنا المؤرخ البريطاني الأشهر إدوارد غيبون، عن الانهيار النهائي للرومان الذي بدأ في عام 406، أي عندما تدفق الغزاة الجرمانيون عبر نهر الراين إلى بلاد الغال (فرنسا) ومن ثم إلى إيطاليا، أما روما فقد استباحها القوط عام 410 حين استفادوا من وجود إمبراطور ضعيف.
كان الأمر الأكثر إدهاشاً هو سرعة انهيار الإمبراطورية الرومانية، حيث هبط عدد سكان روما ذاتها بنسبة ثلاثة أرباع وتضاءل نفوذها بسرعة في بقية أنحاء أوروبا الغربية، وحدث ما دعاه أحد المؤرخين «نهاية الحضارة في غضون جيل واحد»، وهذا ما يشير إليه المؤرخ البريطاني الأصل الأميركي الجنسية، نيال فيرغسون، أستاذ التاريخ الأبرز في جامعة هارفارد الأميركية العريقة عبر صفحات كتابه «الحضارة… كيف هيمنت حضارة الغرب على الشرق والغرب؟».
يكاد التغير المناخي يلعب نفس الدور الذي لعبته قبائل القوط سابقاً، لا سيما أن الزحف الديموغرافي، وربما من مصادفات القدر، الناجم عن الاختلالات التكتونية المناخية، سوف يصيب أول الأمر القارة العجوز، ولتسقط بعدها حجارة الدومينو الإنسانية، مع فارق واحد هو أن القوط أسقطوا روما القديمة بينما التغير المناخي الآنيّ يضرب الولايات المتحدة، روما العصر، كما لا يوفر أوروبا، وبكل تأكيد وتحديد آسيا.
والشاهد أن عدداً كبيراً من العلماء يؤكدون أن الأرض تمر بخطر تغير مناخي كارثي، وعلى الخصوص بعد أن تمكنت الصين وبلدان آسيوية كثيرة من تضييق الفجوة الاقتصادية القائمة ما بين الغرب وبين بقية أنحاء العالم، ما أدى إلى زيادة غير مسبوقة في كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض.
هل يُحتمل إذن أن تتعرض نسختنا من الحضارة الإنسانية للانهيار بفجائية، كما أشار إلى ذلك المؤرخ والأثري الإيطالي جون برايان وارد-بركينز في مؤلفه «سقوط روما»؟
يضيق المسطح المتاح عن تناول واحد من بين مئات التقارير الرصينة التي تتناول جدلية التغيرات المناخية الكارثية واستمرار النوع البشري على الكرة الأرضية، ونعني به التقرير الصادر عن «بريكثرو ناشيونال سنتر فور كلايمت ريستوريشن» وهو مركز أسترالي مستقل، وقد صدر عام 2019 ويطرح سيناريو لعام 2050.
يقول واضعو التقرير إنه إذا استمر معدل الانبعاثات الضارة على هذا النحو فسوف ترتفع درجة حرارة الأرض بنسبة 5.4 درجة مئوية، ما يعني أن أماكن واسع وشاسعة من الكرة الأرضية لن تصلح للعيش الآدمي.
أميركا ستعاني من الحرائق والفيضانات، وروسيا ستنحسر فيها مياه الأنهار الكبرى بسبب فقدان أكثر من ثلث الغطاء الجليدي لمنطقة الهيمالايا، أما أفريقيا فسوف يقطع أصحابها وبالملايين المتوسط سباحةً هرباً من التصحر والجفاف والمجاعة، كما سيتعرض أكثر من مليار شخص للتشرد بعدما يتراجع إنتاج الطعام بمقدار الخُمس، وبقية منطلقات التقرير الكارثية منشورة لمن يود الاستزادة.
على عتبات غلاسكو يصدق البابا فرنسيس فيما جاء برسالته «كن مسبحاً»، من أنه إن لم نُعِر الأسباب التي أدت إلى التدهور البشري والاجتماعي انتباهنا فلن نستنقذ الأرض، ونحن لا نملك بعد الثقافة اللازمة، ثقافة العيش المشترك على الكوكب الواحد.