بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم- منذ وصل الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض وجلّ اهتمامه ينصب على كيفية مواجهة الصعود الصيني في المحيطين الهادئ والهندي. وتعددت زيارات المسؤولين الأميركيين على مستويات مختلفة من نائبة الرئيس كمالا هاريس إلى وزراء الخارجية والدفاع والتجارة لدول المنطقة.
وتتالت العقوبات على بكين بحجة فرضها قانون القومية في هونغ كونغ، وكذلك رداً على ما تصفه الإدارة الأميركية بقمع أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ شرق البلاد، فضلاً عن إبقاء العقوبات التجارية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب على الصين، وفي مقدمها استهداف الجيل الخامس من شبكة هاواوي للهواتف الذكية.
وذهب بايدن أبعد من ذلك، إذ أعلن في 16 أيلول (سبتمبر) عن قيام تحالف أمني مع بريطانيا وأستراليا في مواجهة الصين. وأطلق على التحالف إسم “أوكوس”. وكانت نتيجته إلغاء أستراليا عقداً لشراء غواصات تقليدية من فرنسا بعشرات مليارات الدولارات وإستبدال غواصات أميركية وبريطانية تعمل بالطاقة النووية بها. وكان التبرير المعطى لهذه الخطوة أن الحاجات الأمنية للغرب في المحيط الهادئ تتطلب حصول أستراليا على هذا النوع من الغواصات المتطورة. طبعاً أحدثت الخطوة شرخاً في العلاقات الأميركية – الفرنسية لا تزال ذيوله مستمرة إلى الآن.
وقبل تحالف “أوكوس”، أعاد بايدن الاعتبار لحلف “كواد” بين الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، وهو نوع من التكتل الاقتصادي والأمني الذي تأسس عام 2007، لكن تصاعد المواجهة مع الصين، حمل الإدارة الأميركية الحالية على إحياء هذا الحلف. وفضلاً عن ذلك، تنتشر في المحيطين الهادئ والهندي خمس من حاملات الطائرات الأميركية، فضلاً عن نشر أنظمة صاروخية مضادة للصواريخ من طرازي “باتريوت” و”ثاد”.
وقبل أيام، أعلن بايدن أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان في حال أقدمت الصين على غزو الجزيرة، التي تعتبرها بكين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها. وبإزاء الغضب الصيني من هذا الموقف، أصدر البيت الأبيض إيضاحاً لكلام بايدن خفف فيه من الحدة التي اتسم بها، وأكد أن سياسة واشنطن حيال تايبه لم تتغير.
في المقابل، تواجه الصين الخطوات الأميركية لتطويقها بمزيد من الاستعدادات وتعزيز القدرات الصاروخية. في هذا السياق، كشفت الاستخبارات الأميركية قبل فترة عن تجارب صينية لصواريخ أسرع من الصوت، كما أن تعزيز القدرات للبحرية الصينية، ليس بخافٍ على أحد.
وفي الوقت نفسه تتزايد طلعات المقاتلات الصينية في اتجاه الأجواء التايوانية، في رسائل تحذير، رداً على تزايد التعاون العسكري بين واشنطن وتايوان، وتكثيف القطع الحربية الأميركية مرورها في مضائق تايوان وبحر الصين الجنوبي.
لكن الخطوة اللافتة، كانت ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية السبت الماضي، عن إبحار سفن حربية روسية وصينية للمرة الأولى في دوريات مشتركة في الجزء الغربي من المحيط الهادئ في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري و23 منه.
هذا التطور ليس في حاجة إلى تفسيرات كثيرة حول المغزى من ورائه في وقت تصعد الولايات المتحدة من نشاطيها الديبلوماسي والعسكري في المنطقة. وهذه رسالة صينية – روسية مزدوجة تعبر عن وقوف بكين وموسكو معاً في مواجهة التحديات التي تواجهها الدولتان من أميركا.
ولا يمكن أيضاً تجاهل التصعيد الذي تمارسه كوريا الشمالية في مجال الاختبارات الصاروخية والذي ترد عليه كوريا الجنوبية باختبارات مماثلة، ما أدخل شبه الجزيرة الكورية في سباق تسلح مماثل لذلك الذي كان سائداً إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية.
ما يشهده العالم اليوم لا يقل كثيراً عن مناخات التوتر والانقسامات الدولية التي كانت سائدة وقتذاك. وعلى رغم أن بايدن يكرر أنه لا يريد حرباً باردة جديدة مع الصين، فإن الأمور تنزلق إلى استقطابات وتجاذبات وتوترات، تحمل كل مواصفات الحرب الباردة، إن لم يكن أخطر!!!