بقلم: شاكر رفايعة – العرب اللندنية
الشرق اليوم- دائما كان الحديث عن الهوية الأردنية مثار خلافات وغالبا اصطفافات اجتماعية وسياسية. لكن النقاش العام حاليا بشأن ما تسمى “الهوية الوطنية الجامعة” ينطوي على الشيء ونقيضه معا.
وحين تسمع ضجة الجدل عن الهويات والثقافات الفرعية في الأردن، يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أن المجتمع يمثل مزيجا معقدا من الأديان والطوائف والأعراق، وينبغي تذويبه في هوية جامعة. وهو ليس كذلك.
الحقيقة أن كل حديث عن الهوية الوطنية في المملكة يرتبط مباشرة بالعلاقة الداخلية بين الأردنيين والفلسطينيين ولا شيء غيرها، بما في ذلك المخاوف القائمة لدى كل منهما حول مبدأ المواطنة ومفهوم الوطن البديل.
الآن وبعد مرور مئة عام على تأسيس الدولة الأردنية، لا تزال الهوية الوطنية بحاجة إلى توضيح، لكن من المؤكد أن لدى أجهزة الحكم ما يبرر طرح مسألة “الهوية الوطنية الجامعة” في هذه الأيام.
المصطلح الذي هو من بنات أفكار اللجنة الملكية للإصلاح السياسي، لا يمكن فهمه إلا في سياق التمهيد لفكرة التكافؤ في المشاركة السياسية وخصوصا الانتخابات، بين الشرق أردنيين والأردنيين من أصل فلسطيني.
وهذا يعني إفساح مجال أوسع لذوي الأصول الفلسطينية في المشاركة التي يؤمّل أن تفضي خلال السنوات القادمة إلى تشكيل حكومات برلمانية عبر الأحزاب في الأردن، حيث أصول نصف السكان تقريبا من غربي النهر.
كما يعني هذا أن على أبناء العشائر والمحافظات الاستعداد لخارطة انتخابية وتمثيلية جديدة للأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية، تناسب كتلتهم السكانية باعتبارهم مواطنين حسب الدستور.
من يؤيد “الهوية الجامعة” قد يتعرض لحملة تخوين بحجة أنه يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية وعلى حساب الأردن. ومن يعارضها يمكن اتهامه بسهولة بالإقليمية والعنصرية والكراهية.
الاتهامات المتبادلة فيها الكثير من الشحن العاطفي والوطني الذي يبعدها حينا ويقربها أحيانا أخرى من الأسس القانونية والحقوقية لمفهوم المواطنة وأثره على الأردنيين من أصل فلسطيني وعلى القضية الفلسطينية برمتها.
بحسب سجلات أونروا، يوجد في الأردن أكثر من 2.5 مليون لاجئ فلسطيني بينهم من يحملون الجنسية الأردنية إلى جانب حوالي ثلاثة ملايين أردني من ذوي الأصول الفلسطينية في البلد الذي يسكنه 11 مليون نسمة.
إذا كان “الوطن” مفهوما قانونيا وواقعيا بالنسبة إلى الأردن، فإن الملايين من الفلسطينيين القادمين من غرب النهر في 1948 و1967 هم مواطنون بحكم القانون الذي منحهم الجنسية وبحكم الأمر الواقع الذي فرضه الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على مدى عقود.
وإذا كان المفهوم تاريخيا وقانونيا بالنسبة إلى فلسطين، فإن على الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية العودة إلى ديارهم التي احتلتها إسرائيل سواء داخل الخط الأخضر أو في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولكن هل يهدأ النقاش عند هذا التبسيط مع غياب أي بوادر أمل بقيام دولة فلسطينية وأي توقعات بإحياء عملية السلام، فضلا عن بحث قضايا الوضع النهائي وعلى رأسها “حق العودة”؟
صار مستقرا في الأذهان أن القضية الفلسطينية ستبقى معلقة. وبسبب عامل الزمن الذي توظفه إسرائيل منذ تأسيسها وتفرضه بالتفوق العسكري والسياسي، دخلت عملية السلام في متاهة منذ حوالي ثلاثين عاما.
مرت العلاقة بين الأردنيين والفلسطينيين بفترات مد وجزر خصوصا منذ كانت الضفة الغربية تابعة للأردن على مدى 17 عاما ثم اضطرابات أيلول – سبتمبر 1970 إلى أن قرر الملك الراحل الحسين بن طلال فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية في أواخر الثمانينات، وما تلا ذلك من إنشاء السلطة الفلسطينية وتوقيع الأردن معاهدة وادي عربة للسلام مع إسرائيل.
لا أفهم على وجه الدقة مخاوف الشرق أردنيين من مخطط يتم الترويج له بين الحين والآخر، لتوطين الفلسطينيين في المملكة رغم أن الملايين منهم يحملون الجنسية الأردنية منذ عقود، وبينهم رؤساء حكومات ووزراء وعسكريون وقادة مؤسسات اقتصادية كبرى.
ولا أستطيع إلا أن أجد العذر لمن يعارض أو يتخوف من تأثيرات تسوية القضية الفلسطينية على المملكة، وذلك بسبب العلاقة الخاصة بين الأردنيين والفلسطينيين التي صاغتها الاعتبارات السياسية والجغرافية، والديموغرافية لاحقا.
العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أعلن أكثر من مرة وعلى مدى سنوات رفضه لأي مشاريع مرتبطة بالوطن البديل وتسمياته المختلفة من توطين وترانسفير وغيرها. لكن ذلك لم يكن كافيا لتهدئة القلق.
الواقع أن الخطاب الرسمي كله مرتبك بشأن العلاقة مع الأردنيين من أصل فلسطيني. فهل يعني هذا أنهم سيبقون مواطنين إلى أن تُحل قضيتهم ويعودون إلى بلادهم الأصلية المحتلة، أم أنهم مواطنون اكتسبوا حقوقهم وطرق عيشهم على مدى أجيال وليسوا في وارد الرحيل إلى فلسطين، حتى لو حدثت “معجزة العودة”؟
ما هو الأردن إذن، بالنسبة إلى الملايين من الفلسطينيين الذين يحملون جنسيته؟ وطن ثان، أم وطن مؤقت؟ أخشى أننا ندور في حلقة من المصطلحات والعبارات القائمة أساسا على مخطط “الوطن البديل” وافتراضاته.
ليس المخطط هو الافتراضي فقط، لكن النقاش كله قائم على الافتراضات: افتراض أن الدولة الفلسطينية قامت، ثم افتراض أن إسرائيل ستقبل بعودة أحفاد وأبناء اللاجئين إلى مدنهم وقراهم، ثم افتراض أن هؤلاء سيعودون إلى أراضيهم المحتلة.