بقلم: يونس السيد – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – يصعب تصور حجم الكارثة التي ستحل بملايين الأفغان جراء انعدام الأمن الغذائي وتزايد احتمال مواجهتهم خطر الموت جوعاً، وفق تحذير أطلقته وكالات تابعة للأمم المتحدة، ما لم يتحرك المجتمع الدولي على وجه السرعة، ويتم تقديم مساعدات إنسانية عاجلة لإنقاذ أرواح هؤلاء.
تتسارع الأزمة الغذائية في أفغانستان على نحو غير مسبوق، ليس فقط بسبب انهيار النظام السابق بسرعة قياسية وسيطرة حركة طالبان على مقاليد السلطة في البلاد، فقد ظهرت بوادر الأزمة في ظل النظام السابق، لكنها كانت أسرع من التوقعات، بحسب الأمم المتحدة، حيث بات يعاني من انعدام الأمن الغذائي نحو 22,8 مليون شخص أي أكثر من نصف عدد السكان البالغ 39 مليون نسمة، مقارنة مع نحو 14 مليون شخص قبل حوالي شهرين، ليضع أفغانستان في واحدة من أسوأ الأزمات في العالم إن لم تكن أسوأها على الإطلاق، ربما باستثناء الكونغو الديمقراطية. وكأن سلسلة الحروب التي تحمّل عبئها أغلبية الأفغان، لم تكن كافية؛ إذ إن الصعوبات التي تواجهها حركة طالبان في إدارة البلاد، تفاقمت مع الجفاف الناجم عن تغييرات مناخية، ما قضى على الموسم الزراعي، بينما تشير التوقعات إلى أن البلاد ستواجه أسوأ شتاء منذ نحو عقد، ما سيؤدي إلى تقطيع أوصال البلاد، ويجبر الذين يعانون أصلاً من الجوع على الاختيار بين الهجرة والمجاعة، فهناك آلاف العائلات الفقيرة في غرب البلاد باعت ماشيتها، وهربت بحثاً عن مأوى ومساعدات في مخيمات مؤقتة ومكتظة قرب المدن الرئيسية.
صرخة الأمم المتحدة هذه جاءت بمثابة إنذار للمجتمع الدولي ولمختلف الدول التي لا تزال تدرس كيفية التعامل مع حركة طالبان، بأن الكارثة المحتملة لن تنتظر إبقاء المساعدات الإنسانية رهينة التعهدات والمواقف السياسية، أو الإبقاء على أموال المساعدات مجمدة أو حتى يتم رفع العقوبات، ما دام ملايين البشر يواجهون خطر الموت جوعاً. إذ من المؤكد أن الكارثة المحتملة ستؤدي إلى تدفق ملايين اللاجئين إلى الدول المجاورة، وبالتالي إلى الدول الغربية، بينما سيواجه ملايين الأطفال والشيوخ والنساء مصيرهم المحتوم تاركين وصمة عار على جبين المجتمع الدولي. وربما لن يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالضغوط الناجمة عن عمليات الحصار والتجويع، قد تدفع الكثير من الأفغان للجوء إلى تهريب المخدرات، أو انضمام الكثير من الفقراء إلى منظمات إرهابية، ما قد يثير نوعاً من الفوضى في دول الجوار، ويشكل خطراً محتملاً على القارة الأوروبية، وفق ما يرى المبعوث الروسي لأفغانستان زامير كابولوف.
حسناً فعل الاتحاد الأوروبي الذي قرر إعادة بعثته إلى كابول، وإنْ في إطار الحد التمثيلي الأدنى، للقيام فقط بمهام إنسانية، وتقديم المساعدات للشعب الأفغاني- على الرغم من عدم اعترافه بسلطة حركة طالبان- ما دامت الحركة تعهدت بحماية البعثة الأوروبية. لكن من المهم أن تبادر الدول المانحة إلى الوفاء بتعهداتها وتمويل وكالات الأمم المتحدة بناء على خطة الاستجابة الموضوعة للقيام بمهامها الإنسانية، وإنقاذ حياة الناس قبل أن تخرج الأوضاع عن السيطرة.