افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – رغم الأزمة التي انفجرت بينهما جراء «اتفاقية أوكوس» التي جمعت بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وما نجم عنها من إلغاء صفقة غواصات فرنسية لأستراليا بقيمة 66 مليار دولار، واستبدالها بغواصات أمريكية تعمل بالطاقة النووية، إلا أن الحليفين الأمريكي والفرنسي لا يرغبان في تطورها ويعملان على احتوائها بالتراضي، ومن خلال الحوار، لأنهما يحتاجان إلى بعضهما في الظروف الدولية المعقدة الحالية.
صحيح أن فرنسا غضبت وشعرت بأنها تعرضت للخيانة والطعن في الظهر، وارتفع صوتها استنكاراً، لكن ذلك يبقى في إطار علاقات بين «حليفين» يستطيعان إدارة الأزمة بينهما، في إطار المصالح العديدة المشتركة التي تربط بينهما.
منذ تفجرت الأزمة، أعربت الولايات المتحدة عن رغبتها في إصلاح العلاقات مع فرنسا، وقررت اتخاذ الإجراءات المناسبة في هذا الإطار، ربما لأنها أدركت أنها ارتكبت خطأ تجاه حليف شعر بالإهانة، فأجرى الرئيس الأمريكي جو بايدن اتصالاً هاتفياً بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون لتهدئته، واتفق معه على مواصلة الاتصالات لتجاوز الأزمة، وإجراء «عملية مشاورات معمقة»، ثم بادر إلى إرسال وزير خارجيته أنتوني بلينكين، لبحث سبل تسوية الأزمة، وها هو يقرر الاجتماع معه في روما يوم غد (الجمعة) على هامش قمة العشرين لمواصلة بحث استكمال وضع نهاية للأزمة، والعمل على تدوير الزوايا في شأن القضايا العالقة التي تتجاوز أزمة الغواصات، وصولاً إلى جهود تعزيز الدفاع عن أوروبا، وتأكيد الشراكة مع حلف شمال الأطلسي، وهي جهود يقودها الرئيس الفرنسي منذ سنوات مع ألمانيا لتأكيد استقلالية أوروبا الدفاعية بمعزل عن المظلة الأمريكية.
وكان البيت الأبيض أعلن أن كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي ستزور باريس يومي 11 و12 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، والاجتماع مع الرئيس الفرنسي، لبحث العلاقة بين الجانبين «من أجل السلام والأمن في العالم»، وتأكيد «أهمية الشراكة في التصدي للتحديات التي تواجه الكوكب، على غرار كورونا وأزمة المناخ، مروراً بقضايا الساحل ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ»، أي أن الولايات المتحدة سوف تناقش مروحة واسعة من العلاقات الثنائية التي يمكن أن تشكل قاسماً مشتركاً بين الجانبين وتدخل الاطمئنان إلى قلب باريس بعد التوتر الأخير.
الحقيقة أن الخيارات بين الحليفين محدودة، والصدام ممنوع، ولا يستطيعان إلا العمل معاً لتبريد الأجواء والاتفاق على قواسم مشتركة تعيد المياه إلى مجاريها، وهو ما يبدو من خلال هدوء العاصفة الآن والبدء بمحادثات جدية بين الطرفين، ستكون قمة روما تتويجاً لها. لكن في مطلق الأحوال سيكون الحذر هو السمة التي ستحكم العلاقات منذ الآن بين فرنسا وأوروبا من جهة، وواشنطن من جهة ثانية.