By: Jimes Moore
الشرق اليوم- شكلت سياسة التقشف الركيزة الاقتصادية للحكومة الائتلافية بقيادة حزب المحافظين الذي تسلم السلطة في 2010. ولقد مثلت سياسة قاتلة. وجاءت كوباء من صنع الإنسان، فضرب كبار السن والعاجزين والمستضعفين قبل وقت طويل من ظهور وباء كورونا الذي نتعايش معه اليوم ويفتك بأرواح الناس.
لقد أحدثت [سياسة التقشف] خسائر مروعة في الأرواح، وفق ما أوضحت بجلاء نتائج الدراسة التي أجراها فريق أكاديمي في “جامعة يورك”. ونشرت الدراسة في “المجلة الطبية البريطانية المفتوحة” BJM Open، ونوقشت نتائجها بلغة أكاديمية بحتة مماثلة لتلك التي تتوقع أن تقرأها في بحث تنشره مجلة طبية جادة. وعلى الرغم من ذلك، جاءت النتائج صادمة تماماً.
إذ سعى فريق الباحثين الذي أعد الدراسة إلى تقييم أثر قطاعات الرعاية الاجتماعية والصحة العامة والرعاية الصحية، على معدل الوفيات، وكذلك تقدير أثر ضغط الإنفاق الذي تعرضت له ميزانيات تلك القطاعات بين الأعوام 2010-2011 و2014-2015. وأشارت “النتائج الأكثر تحفظاً” التي عرضها أولئك الباحثون، إلى أن حدوث وفيات خلال 2014-2015 “تفوق بـ57,550 وفاة عما سجل في فترة تالية، وعما كان يمكن حدوثه لو أن مستوى نمو الإنفاق خلال تلك الفترة [2014- 2015] كان متطابقاً مع مستوى نمو الإنفاق في 2001/2002 و2009/2010” في ظل حكومات شكلها حزب العمال تحت قيادتي توني بلير وغوردون براون.
واستطراداً، سيبدو ذلك الرقم [عن الوفيات التي سببها ذلك التقشف] ضئيلاً وباهتاً، مقارنة مع وفيات الجائحة. إذ تكشف إحصاءات رسمية صدرت، أخيراً، أن عدد البريطانيين الذين توفوا خلال 28 يوماً من إصابتهم بالمرض، وقد رصدت عبر تسجيل فحص إيجابي عن وجود كورونا في أجسامهم، بلغ 138,237 نسمة. وكذلك سجل “كوفيد- 19” كسبب للوفاة على 161,798 شهادة وفاة. ولا شك أن العامل المشترك بين كافة إحصاءات الجائحة يتمثل في فظاعتها التي تصيب بالقشعريرة.
وعلى الرغم من ذلك، يظل عدد الوفيات [بسبب التقشف] الذي ذكره الباحثون مخيفاً، ولنتذكر أيضاً أن هذا الرقم لا يأخذ في الاعتبار حالات الوفاة الناجمة عن ارتفاع نسبة الفقر أثناء تلك الفترة أيضاً. ومع ذلك، يبقى الرقم الوارد في دراسة “جامعة يورك”، مساوياً لحوالي نصف عدد سكان “كامبريدج”.
وتخلص الدراسة إلى أن “جميع أشكال الإنفاق الثلاثة المتعلقة برعاية الصحة العامة [أي الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والصحة العامة والرعاية الصحية] تسهم في إنقاذ حياة الناس”، وبالتالي فإن “التراجع في معدلات تحسن متوسط العمر المتوقع في إنجلترا وويلز منذ 2010، سببه قيود الإنفاق على قطاعي الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية”.
واستطراداً، لقد كان بالإمكان معالجة حمى “الاعتماد الكبير على سياسة التقشف” ومداواتها، عبر وضع سياسات أكثر تعاطفاً وطموحاً. في المقابل، لقد قررت الحكومة [التي يقودها حزب المحافظين] ألا تخوض هذه التجربة.
إن ذلك صحيح، لكن يتعين علينا التوصل إلى توازن في أرقام الميزانية، وفق ما ستزعم شخصيات قيادية، من دون شك. لكن، ذلك التأكيد موضع جدال ونقاش كبيرين. وكذلك تعتبر الحجة المعارضة أن القيود على الإنفاق العام في وقت تخرج فيه بريطانيا من دائرة الكساد الذي تسببت فيه الأزمة المالية، جاءت نتيجته ببساطة، هدر عقد من النمو.
وفي نفس مغاير، ففي ظل غياب سياسة التقشف كانت بريطانيا ستشهد تعافياً اقتصادياً أسرع وأقوى من شأنه أن يحقق تحسناً في الإيرادات المتأتية من الضرائب، وتالياً فإنها ستحد من الاقتراض الحكومي وتحرر الأموال الكفيلة بالاستثمار في حياة الناس. إذاً، المسألة بالنسبة لهم [مسؤولو الحكومة] تتلخص فيما إذا كانوا سيكترثون لأرواح أولئك الناس [الذين تضربهم سياسة التقشف] أم لا. وما الذي تخبرنا [أرقام الدراسة عن وفيات التقشف] بشأن أنفسنا، إذا كان الأمر [لدى الحكومة] هو الخيار الأخير [بمعنى، أن حياة من يضربهم التقشف غير مهمة لها]؟
في السياق نفسه، تورد الحكومة الراهنة أنها تستثمر في قطاعي الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية. ويشكل ذلك الأمر محور ما تستهدفه الزيادة الإشكالية في التأمين الوطني بـ1.25 في المئة التي فرضت على العاملين. إذ ما زال من غير المعروف إذا كان مبلغ 12 مليار جنيه إسترليني الناتج عن تلك الزيادة الضريبية كافياً لإعادة بناء الخدمات الصحية عقب ما أصابها من تدهور بأثر من “كوفيد- 19”.
إذ إن الجزء الأكبر من الـ36 مليار جنيه إسترليني التي ستضخ في خزائن الحكومة على مدار السنوات الثلاث الأولى [من تطبيق تلك الزيادة]، تقرر أن يخصص لخفض قوائم الانتظار الطويلة على قطاع الخدمات الصحية، التي تضخمت حتماً بشكل كبير عقب الجائحة. وقد أزهق ذلك التضخم أرواحاً كثيرة.
في سياق مواز، أشارت تقديرات دراسة حديثة أخرى أجرتها “كلية الصيدلة” في “كلية لندن الجامعية” إلى أن 10 آلاف شخص سيموتون بسبب السرطان في مرحلة مبكرة جداً مقارنة مع ما كان سيحصل لو لم تظهر جائحة كورونا. وكذلك يوصف ذلك الرقم بأنه “متحفظ”.
لذا، لا بد من الاستثمار في قطاع الخدمات الصحية، حتى لو كانت سبل تحقيقه مشكوكاً فيها. وفي الوقت نفسه، ثمة شكوك خطيرة حول كفاية الـ5 مليارات جنيه إسترليني المخصصة لقطاع الرعاية الاجتماعية، في التصدي للأزمة الراهنة.
وبالمناسبة، تشير دراسة “جامعة يورك” إلى وجود ما يدل على أن الإنفاق الإضافي على قطاع الرعاية الاجتماعية “يعد مجدياً بنسبة الضعفين عن جدوى الإنفاق الإضافي على قطاع الرعاية الصحية” حين يتعلق الأمر بإنقاذ حياة الناس.