افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تتجه أفغانستان نحو كارثة إنسانية حقيقية، حيث يواجه نحو نصف الأفغان جوعاً شديداً، فيما يتواصل الجفاف للسنة الثالثة على التوالي، كما يعاني نحو مليوني طفل سوء التغذية، في بلد شاءت الأقدار أن تضعه طوال أكثر من عشرين عاماً في حرب أهلية طاحنة، وصراعات دولية، ولم يؤدِ الانسحاب الأمريكي الأخير إلا لزيادة المعاناة واتساع المأساة مع تولي حركة طالبان زمام السلطة في شهر أغسطس /آب الماضي، جراء العقوبات الدولية المفروضة عليها.
ما يتم تقديمه من مساعدات لا يكفي على الإطلاق لسد الحاجات الأساسية، وخصوصاً أن أكثر من نصف السكان يعتمدون بشكل مباشر على المساعدات الإنسانية الخارجية، التي تقلصت مؤخراً بشكل كبير، لأن المجتمع الدولي لم يعترف بعد بحركة طالبان، وينتظر منها خطوات إيجابية باتجاه حقوق الإنسان والشراكة مع المكونات الأفغانية الأخرى وحقوق المرأة وغيرها، كي يطمئن إلى أن هذه الحركة قد غيرت سلوكها السابق، وباتت مستعدة للانخراط في المجتمع الدولي.
إلا أن الواقع يؤكد أن الشعب الأفغاني هو الذي يدفع الثمن، وأن العقوبات تحولت إلى سيف يطال رقاب المواطنين دون غيرهم، ما يستدعي أن تكون العلاقة الإنسانية وحدها هي التي تربط بين الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي، وذلك يتطلب مقاربة جديدة في التعامل مع أفغانستان بمعزل عمن يحكمها.
منظمة الأغذية والزراعة الدولية، وبرنامج الغذاء العالمي، حذرا في بيان مشترك من أن أكثر من نصف سكان أفغانستان، وهو رقم قياسي غير مسبوق يبلغ 22.8 مليون نسمة يواجهون انعداماً غذائياً حاداً اعتباراً من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ويقول المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي ديفيد بيسلي «الجوع في ارتفاع والأطفال يموتون، ولا يمكننا تغذية الناس بالوعود»، ودعا المجتمع الدولي إلى «توحيد جهوده للتصدي لهذه الأزمة التي بدأت تخرج بسرعة عن السيطرة»، في حين قال شو دونيو المدير العام لمنظمة الأغذية «نحن الآن في مرحلة العد التنازلي نحو الكارثة، وسنواجه مشكلة كبرى ما لم نتحرك فوراً».
إذاً، نحن أمام كارثة إنسانية حقيقية تستدعي إجراءات دولية عاجلة قبل فوات الأوان، من خلال توفير الدعم المالي الفوري لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية حيث يواجه الشعب الأفغاني فصل شتاء من دون عمل أو أموال نقدية، إضافة إلى توقع ظروف جفاف قد تمتد للعام المقبل.
كما أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة حذرت بدورها من احتمال تعرض مليون طفل للموت جراء سوء التغذية الحاد إذا لم يتوفر حل فوري ينقذ أرواح هؤلاء.
هذه ليست مجرد نداءات استغاثة من منظمات دولية، إنما هي أجراس إنذار للعالم كي يخرج عن لامبالاته، ويتخلى عن أنانيته، وألا يربط المساعدات الإنسانية بالسياسة، لأن هذا السلوك المدمر نرى نتائجه المأساوية في غير مكان في العالم.