د. أحمد يوسف أحمد – صحيفة الالتحاد
الشرق اليوم- عُقد يوم الخميس الماضي بالعاصمة الليبية طرابلس مؤتمر لدعم استقرار ليبيا حضرته 31 دولة أجنبية وعربية، بالإضافة إلى ممثلين رفيعي المستوى عن الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي. وقد شهد الصراع الدائر في ليبيا منذ الإطاحة بحكم العقيد معمر القذافي انعقاد عدد من المؤتمرات للنظر في التوصل لتسوية للصراع، لكن مؤتمر طرابلس تميز عنها بأنه المؤتمر الأول الذي ينعقد في ليبيا، ولهذا دلالته الرمزية بالنسبة للدولة الليبية، لأنه يعني أن ثمة حداً أدنى من الأمان والاستقرار في عاصمة البلاد، وكذلك حداً أدني من قدرة مؤسساتها التي انتُخِبت مؤخراً على حفظ الأمن والنظام، بما يطمئن المشاركين في المؤتمر من مسؤولين رفيعي المستوى على أمنهم. وهذا وإن كان لا يعني بالضرورة وضعاً أمنياً أمثل يسود العاصمة، إلا أنه يمثل بالتأكيد خطوةً إلى الأمام يُرجى أن تتبعها خطوات. ومن ناحية أخرى يُحسب للمؤتمر أن مداولاته ركزت على قضيتين محوريتين ومترابطتين، هما إجراء الانتخابات في موعدها الذي حددته خارطة الطريق التي نتجت عن منتدى الحوار الليبي الذي تم برعاية أممية، وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة الذين قدرت مصادر أممية عددهم بحوالي 20 ألف مرتزق. ووجه الترابط بين القضيتين أن استمرار وجود القوات الأجنبية والمرتزقة يمثل خطراً حقيقياً على نزاهة الانتخابات وشفافيتها وضمان نتائجها، لأن النزاهة غير مضمونة في ظل وجودها، وحتى إن أمكن تحقيقها فالخطر كل الخطر يتمثل في إمكان الانقلاب على نتائج الانتخابات إن لم تأت في مصلحة من بيدهم السلاح. كما يُحْسَب للمؤتمر أن المواقف التي تبنتها الأطراف المشاركة، بما في ذلك وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، كانت حاسمة سواء في التأكيد على أهمية الانتخابات باعتبارها الآلية المثلى لإعادة بناء الدولة الليبية أو على ضرورة خروج القوات الأجنبية كضمانة أكيدة للحفاظ على استقلال ليبيا وسيادتها ونزاهة الانتخابات المقبلة.
وقد انعكست هذه التوجُّهاتُ الإيجابية التي سادت المؤتمر في بيانه الختامي، الذي أكد على أهمية اتخاذ التدابير اللازمة لخلق بيئة مناسبة من أجل إجراء الانتخابات بشكل نزيه وشفاف وشامل في موعدها، وعلى دعم الحكومة الليبية للجهود التي تبذلها لجنة 5+5 العسكرية، وهو دعم مهم لما أثبتته هذه اللجنة حتى الآن من حس وطني يتجاوز الخلاف بين طرفي الصراع المحليين الرئيسيين في ليبيا، بدليل توصلها مؤخراً إلى اتفاق على سحب تدريجي ومتزامن ومتوازن للقوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.
ومن الأهمية بمكان أن وزيرة الخارجية الليبية قد أكدت في المؤتمر الصحفي الذي انعقد بعد ختام المؤتمر على أنه خلص إلى تأكيد رفض الحكومة الليبية القاطع لجميع أشكال التدخلات الأجنبية في الشؤون الليبية وإدانتها لمحاولات خرق حظر السلاح وإثارة الفوضى في ليبيا.
غير أنه على الرغم من كل هذه الملاحظات الإيجابية على انعقاد المؤتمر وتوجهاته ونتائجه، فإن ثمة انطباعاً بأنه لم يحقق النقلة النوعية المطلوبة بخصوص حماية مسار التسوية الراهن في ليبيا، وصولاً إلى إجراء الانتخابات بضمانات أكيدة، سواء تمثلت هذه الضمانات في خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا قبل إجراء الانتخابات، أو في توفير الضمانات المطلوبة من مراقبين دوليين أو حتى قوات حفظ سلام لحمايتها من أي تدخلات تجعلها امتداداً للمشكلة وليست حلاً لها. فمتى تحدث هذه النقلة النوعية؟
إن الخبرة الماضية أثبتت حتى الآن أن المجتمع الدولي ممثلاً في أعلى سلطة فيه، وهي مجلس الأمن، فشل في أن يفرض الالتزام بقراراته التي كان من شأن تنفيذها أن يحول دون كثير من التعقيدات الحالية في المشهد الليبي.