بقلم: حازم سالم الضمور
الشرق اليوم– تدعو التحركات الإيرانية الأخيرة تجاه الأردن، للافتراض أن تطورا ملحوظاً قد تشهده هذه العلاقات مدفوعة بعدة متغيرات ومناخ إقليمي تصالحي، وعليه تناقش هذه الورقة دوافع إحياء العلاقات وكذلك التحديات التي تواجهها.
يجسد الاتصال بين وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان ونظير الأردني أيمن الصفدي، في 12 أكتوبر الماضي، أبرز المستجدات في سياق العلاقات الأردنية الإيرانية، وأحد أحدث مسارات المصالحة والودية في الشرق الأوسط، ويظهر بيان وزارة الخارجية الإيرانية، رغبة طهران في بناء علاقات ودية وأخوية مبنية على الاحترام المتبادل مع دول المنطقة، وتعزيز العلاقات بين البلدين من خلال استغلال الفرص والإمكانيات الاقتصادية والتجارية في المنطقة.
وعليه؛ تسعى هذه الورقة للوقوف وراء المحاولات الإيرانية لإصلاح علاقاتها مع الأردن، من حيث الدوافع والمتغيرات التي يمكن من خلالها قراءة الموقف الإيراني، وآفاق العلاقات بين الدولتين.
بوادر العلاقة: أبعاد ومتغيرات
لعل أولى المتغيرات التي فرضت سماتها الجديدة في العلاقات بين دول الإقليم تمثلت في تسلم الرئيس الأمريكي جو بايدن لمنصبه في البيت الأبيض، بعد سنوات أربع من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، شهدت دول الإقليم خلالها زعزعة في علاقاتها وميلاً نحو التنافس والتصعيد، كان للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وفرض سياسة الضغوط القصوى إحدى أبرز أسبابها.
على النقيض؛ يبدو بايدن أكثر إدراكاً لطبيعة العلاقات الإقليمية، وميله الواضح نحو الأطر الدبلوماسية كوسيلة لحل الخلافات وإنهاء الصراعات في المنطقة، وبينما تعود الولايات المتحدة للتقارب مع إيران في مساعيها لإنقاذ الاتفاق النووي المعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، بعد عدة جولات في فيينا، يدفع الأردن لتلقي الرسائل الإيرانية بإيجابية، إذ أيد الأردن عودة المحادثات بشأن النووي الإيراني، وقد علل ذلك وزير الخارجية، أيمن الصفدي، في الاجتماع الوزاري لمبادرة ستوكهولم لمنع الانتشار النووي، على اعتبارها “حل دائم للتوتر”.
يُذكر أن عمان رحبت بالاتفاق النووي الموقع عام 2015، بخلاف الدول الخليجية وإسرائيل حينها، حيث ترى فيه عمان مدخلاً لتعزيز الأمن والاستقرار في الإقليم.
ومن جهة أخرى؛ أثبت الأردن قدرته على تأدية دور فاعل وحقيقي في الإقليم، بعد صمود واجه من خلاله سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وخاصة فيما يتعلق برؤيته لتسوية القضية الفلسطينية، المعروفة بإسم “صفقة القرن”، ليجني ثمار صبره ذلك في دبلوماسية نشطة يمارسها حالياً في صعيد علاقاته مع دول الجوار وبشكل أكثر تحديداً مع كل من العراق وسوريا، وهو ما سنأتي على ذكره لاحقاً.
إيران ودول المنطقة: محادثات ورسائل إيجابية
لم تكن بوادر التقارب الإيراني نحو الأردن نقيضاً عن سياسة خارجية جديدة تمارسها طهران، بعد الأنباء عن محادثات إيرانية سعودية استضافتها العراق، تخطو بشكل ثابت نحو عودة سريعة للعلاقات بين الدولتين، فقد قال وزير الخارجية الإيراني أن المحادثات “تتحرك على المسار الصحيح”، فيما وصفها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بـ”الودية”، مضيفاً أننا “منفتحون على الاستمرار”.
ويربط المحللون بين المحادثات الإيرانية السعودية، وتقارب محتمل مع كل من مصر والإمارات العربية المتحدة، وهذا المسار له ارتباطاته بشكل أو بآخر مع محاولات تقارب إقليمية أوسع نطاقاً بين تركيا ودول الخليج ومصر.
إذن؛ تأتي المحاولة الإيرانية للتقارب مع الأردن في سياق من الودية الإقليمية، في ظل استدارة سياسية لدول المنطقة نحو بناء علاقات ايجابية وتشكيل توازنات وتحالفات جديدة، ترغب الدول من خلالها لإقرار معادلة تتناسب مع مصالحها السياسية والاقتصادية، بعد عقد من إدارة الدول لعلاقاتها التنافسية والتي أثبتت عدم جدواها، وقد عبر عن ذلك بيان وزارة الخارجية الإيرانية سابق الذكر في إعلان طهران لدعمها الحوار والتعاون الإقليمي بعيداً عن التدخلات الخارجية، معتبراً “أن تعزيز العلاقات بين بلدان المنطقة عنصرا لتوفير الأرضية المناسبة للازدهار الاقتصادي والاستقرار في المنطقة”.
وعليه؛ توائم التحولات في شكل العلاقات الإقليمية الأردن، الذي سعى دوماً لإرساء حالة من السلم والاستقرار في المنطقة بعد أن واجهت الدول فيه مخاوف من تصعيد عسكري سعودي إيراني، أو إسرائيلي إيراني، خاصة وأن عمان عايشت حالات عدم الاستقرار على حدودها مع العراق وسوريا، وأزمات اللجوء وانتشار ظواهر العنف والإرهاب، وهو الأمر الذي يمكن الحد منه جراء تغيير السلوك الإيراني، ووقف التنافس غير المحمود في الشرق الأوسط.
الأردن؛ والنشاط الدبلوماسي نحو العراق وسوريا
يظهر للمتابع أن السياسة الخارجية الأردنية أصبحت تصب جل تركيزها على عودة أسواقها الطبيعية؛ في سوريا والعراق، فقد أفادت تقارير صحفية عدة أن عودة العلاقات بين عمان ودمشق كانت على جدول أعمال جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين إلى واشنطن في يوليو الماضي، وبشكل خاص رغبة عمان في الحصول على إعفاءات من العقوبات الأمريكية على التعامل مع النظام السوري والمعروفة باسم عقوبات قيصر، فضلاً عن رغبتها لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وفي الآونة الأخيرة؛ برزت جملة من الأحداث في صعيد تطور العلاقات الأردنية السورية، منها إعادة فتح معبر جابر الحدودي بين الدولتين، وزيارة وفد سوري يضم وزراء الاقتصاد والتجارة الخارجية والموارد المائية والزراعة والإصلاح الزراعي والكهرباء لعمان في محادثات استمرت يومين في سبيل تعزيز العلاقات، وكذلك زيارة وزير الدفاع السوري، علي عبد الله أيوب واجتماعه مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني يوسف الحنيطي، فضلاً عن تلقي جلالة الملك اتصالاً هاتفياً من الرئيس السوري بشار الأسد.
وعلى الطرف الآخر، تمضي العلاقات الأردنية العراقية قدماً نحو حسابات تبحث عن التكامل الاقتصادي، حيث ينخرط الطرفين إلى جانب مصر، في شراكة تنموية ثلاثية، من المفترض أن تؤدي دوراً كبيراً في تعزيز الاستقرار في العراق، وتزيد من فرص التنمية لدى كل من الأردن ومصر.
وفي الواقع تفتح السياسة الخارجية الأردنية وتقاربها مجدداً مع العراق وسوريا، خطوطاً عريضة للاتصال بإيران، ويضع على الطاولة مسائل النفوذ الإيراني في البلدين، ويجعل من نقاش الأمور الخلافية أمراً لا بد منه، لضمان نجاح المساعي الأردنية لتصويب علاقاتها مع بغداد ودمشق.
ومن جهة أخرى؛ أصبحت طهران أكثر تطلعاً للأردن في ظل سعيها لتقريب وجهات النظر بين القوتين في الساحة السورية (الولايات المتحدة وروسيا)، حيث المصلحة الإيرانية تقتضي عودة سوريا مستقرة لتخفيف العبء المالي الكبير على طهران، وعودة سوريا إلى علاقاتها الطبيعية مع الدول العربية.
وعلى المنوال ذاته، تتزايد فرص نجاح التقارب الإيراني تجاه الأردن بشكل طردي والعلاقات الأردنية العراقية، إذا ما استمرت الحكومة العراقية القادمة على نهج الوساطة بين إيران والدول العربية، مثل استضافة المحادثات السعودية الإيرانية وغيرها، وهذا ما أكد عليه استضافة العراق لمؤتمر “بغداد للتعاون والشراكة”، الذي أقر المشاركون فيه على “تعامل دول الإقليم معها على أساس التعاون المشترك والمصالح المتبادلة ووفقا لمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام السيادة الوطنية”.
خطوة على طريق طويل
ينظر الأردن للمستجدات في الإقليم بنظرة سياسية؛ وحيث تشير بوادر الانفراجة في العلاقات الثنائية كنقيض لإدارة الصراعات والتنافسات الرضى بالنسبة لعمان، إلا أن المسار الإقليمي الودي لا يزال في بداياتها ولم نشهد بعد الارتدادات الإيجابية لهذه “الودية”، بينما قد يكون الشأن المحلي الأردني أكثر تعقيداً وحذراً عند التعامل مع إيران، حيث الجماعات المسلحة المدعومة من طهران تتواجد على مقربة من الحدود الأردنية مع كل من سوريا والعراق، وهذا يزيد من تأثير طهران على البيئة الأمنية والمجال السياسي لعمان.
ومن جهة أخرى؛ تنظر عمان بترقب نحو المحادثات السعودية الإيرانية، وبشكل مماثل بالنسبة للقاهرة وأبو ظبي، ومصير هذه المحادثات سيحدد بلا شك الخطوة الأردنية القادمة في سبيل علاقاتها مع طهران، وعلى المنوال ذاته عند الحديث عما قد ينجزه الاتفاق النووي وكيف سينعكس على السلوك الإقليمي لإيران.
وبناء على ذلك؛ يمكن استنتاج أن التقارب الإيراني تجاه الأردن قد بدأته جملة من الدوافع والمتغيرات، التي قد تحدد ذاتها مسار وطبيعة العلاقات في المستقبل.
المصدر: مركز ستراتيجكس للدراسات والأبحاث