بقلم: وليد فارس – اندبندنت العربية
الشرق اليوم- من الواضح أن النظام الإيراني يستفيد من سياسة إدارة جو بايدن التي تضع ثقلها للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، ليكسب وقتاً استراتيجياً كي يثبت نفسه ويكسب أوراقاً إضافية يفرضها في فيينا. هذا بات معروفاً، ولكن للقيادة الإيرانية محاور عدة تعمل عليها لردع واشنطن وبروكسل من تصعيد العقوبات إلى الدرجات القصوى أو اتخاذ إجراءات ميدانية ضد “الجمهورية الإسلامية”، هذه أبرز استراتيجيات طهران لردع الغرب، والعرب، وإسرائيل من التصدي للنظام حتى يصل إلى هدفه الأعلى، أي القدرة الذاتية على الاستمرار والتوسع حتى التمكن من السيطرة على المنطقة.
الحلف مع موسكو
لعل أكبر إنجاز استراتيجي دفاعي للجمهورية الخمينية كان – ولا يزال – إقامة جسر عسكري، وأمني، ودبلوماسي مع القيادة الروسية في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، وقد نحتاج إلى كتاب كامل لتحليل العلاقة الإيرانية – الروسية، ولا سيما ما بعد ضربات 11 سبتمبر (أيلول)، إلا أنه تلخيصاً، هذه العلاقة التي تبدو مستحيلة نظرياً، نمت وتطورت على أجندات طهران وموسكو لأسباب كثيرة، وعلى الرغم من أن العقيدة الخمينية تعارضت مع العقيدة السوفياتية، وكان الخميني قد اعتبر الاتحاد السوفياتي قوة “كافرة مستكبرة” كالولايات المتحدة، في بداية عهد “الجمهورية الإسلاموية”، (الشيعية)، فالمصلحة الاستراتيجية للنظام قضت بالتقارب مع موسكو “القومية”، بخاصة بعد 2001. روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي ليست “عقائدية”، بل قومية وجيوسياسية، وبعد فترة بوريس يلتسين عادت لتتحرك كقوة عظمى منافسة لأمريكا، أضف إلى ذلك عداوتها مع التكفيريين الذين ضربوا في عمقها، بالتالي، أقنعت طهران الكرملين بأنها حليفة روسيا ضد “الإسلامويين”، فقام حلف تنسيقي بين روسيا وإيران على صُعُد مختلفة وأماكن عدة.
إن أهم مكسب لطهران من محورها مع الحكومة الروسية هو من دون أي شك، الفيتو الروسي في مجلس الأمن، الذي حمى إيران منذ 2003 من كل مشاريع القرارات التي تقدمت بها واشنطن، والتي كان بإمكانها أن تجرد حملات أكبر وأقوى ضد النظام الإيراني ومحوره في المنطقة. وكانت أوساط كثيرة في المنطقة تسألنا طيلة سنوات، “لماذا لا تقوم الولايات المتحدة بحملة لإنهاء النظام، أو إضعافه حتى الانهيار؟”. وما لم تكن كل هذه الأوساط تدرك أن المانع الحقيقي لعمل أمريكي أكبر، هو وقوف موسكو، ولو من دون ضجة كبرى، وراء “الجمهورية الإسلامية” دفاعياً، كما وقف الاتحاد السوفياتي وراء كوبا أو ألمانيا الشرقية، أضف إلى ذلك أن روسيا قد فكت التطويق العسكري لإيران عبر مد الجسور الجوية والمائية إلى قلب إيران عبر بحر قزوين، ومن إيران إلى “مستعمراتها” في العراق وسوريا، فلبنان. في المقابل، ركزت روسيا وضعها على الساحل السوري وفي مناطق نظام بشار الأسد، فباتت السد المنيع بوجه تركيا والميليشيات الإخوانية في شمال سوريا. روسيا هي المظلة الدولية الأولى لإيران.
الصين
علاقة إيران بالصين تطورت تدريجياً بعد العلاقة مع روسيا، وتوسعت على الصعيدين التجاري والمالي، وتحولت بكين، على الرغم من الهوة الهائلة بين الشيوعية و”الخمينية” إلى المظلة العالمية الثانية لإيران بعد روسيا. فبالإضافة إلى التكنولوجيا العسكرية، توفر الصين تبادلاً تجارياً، أي سيولة واسعة لصالح المؤسسة الحاكمة في طهران، أضف إلى ذلك توفير سوق صينية للمنتجات الإيرانية والمشتقات النفطية، ما يعني كسر للعقوبات الأمريكية بشكل عام. وكما مع روسيا، فللصين حق النقض في مجلس الأمن، وهي تستعمله لحماية الموقع الإيراني من “المشاريع الغربية”، فكأن لطهران صوتَي نقض “Veto” في نيويورك، في وجه أمريكا وبريطانيا وفرنسا.
إلا أنه في عام 2021، وقّعت الصين وإيران اتفاق تعاون هائلاً قد يتحول إلى شراكة أكثر عمقاً من المحور الإيراني – الروسي، لأن الصين وقّعت على التزامات اقتصادية ومالية كبيرة قد تقلص مفاعيل العقوبات الأمريكية تدريجياً، والأهم أن بكين قد التزمت بتقديم مساعدات عسكرية وتطوير سلاحي البحرية والجو، والدبابات، مع احتمال إرسال قوات ومعدات صينية إلى الأراضي الإيرانية.
أوروبا
لقد نجحت طهران في إقناع معظم دول أوروبا الغربية بأن تؤيد الاتفاق النووي الإيراني، فخلقت بذلك كتلة مصالح أوروبية، ومعها قوة ضغط سياسية، تتحرك لدعم الاتفاق وفي مواجهة المعارضة الإيرانية والإدارات الأمريكية المتواجهة مع إيران، فلعبت هذه الدول والمصالح دوراً كبيراً في حماية النظام من ضغط واشنطن وحلفائها على مضي السنين.
واشنطن
أما الاستراتيجية الأكثر تعقيداً لدى إيران، فهي استدراج مصالح اقتصادية كبرى وقوى سياسية وازنة داخل الولايات المتحدة لدعم الاتفاق النووي، وتمييع الضغط على طهران، والضغط على حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط للتوقف عن ضغطهم على إيران، وقد نجحت طهران في دفع إدارة باراك أوباما لإطلاق الاتفاق، قبل أن ينسحب منه دونالد ترامب، ويعود بايدن إليه الآن. إنجاز الخمينيين أنهم يحمون أنفسهم من حلفاء واشنطن عبر لوبي إيراني داخل أمريكا.
الخلاصة هنا أن ما لم يفهمه كثيرون في المنطقة منذ سنوات أن إيران، كدولة، ليست بقوة معسكر المعتدلين، ولكن سر قوتها الظاهرة، أنها نجحت حتى الآن باستعمال قوى المجتمع الدولي لصالحها، بينما تعمل على تقويض أسس المجتمع الدولي على المدى الطويل.