الشرق اليوم – إن تحقيق انفجار مرفأ بيروت الضخم العام الماضي، هو ملف لا يريد معظم ساسة لبنان اكتماله أو الكشف عن أسبابه.
حيث أن خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله الذي كان من المفترض أنه لذكرى مناسبة دينية إسلامية، لكنه خصص الجزء الأكبر منه للهجوم على السياسي المسيحي سمير جعجع و”مع أنه لم يكن هناك ما يدعو إلى الاحتفال، فقد كان زعيم حزب الله وبعد أربعة أيام من معركة استمرت لساعات يهاجم جعجع ويحمله المسؤولية”.
وحسب رواية نصر الله، فقد كان حزب القوات اللبنانية بزعامة جعجع يحاول إشعال حرب أهلية. وأضاف أن حزب الله لديه 100 ألف مقاتل دربوا للحرب، وهو زعم من الصعب التأكد منه، ولكنه مبالغ فيه على أكبر احتمال. وكان التحذير واضحا “لا تسيئوا التقدير” و”كونوا حكماء وراقبوا سلوكم”.
وجاءت عملية القتل في 14 تشرين الأول/أكتوبر في احتجاج تركز ضد المحقق القاضي طارق بيطار، الذي يتولى التحقيق في الانفجار الضخم ببيروت قبل عام. ويقول حزب الله وحركة أمل التي دعمت الاحتجاج إن قناصة أطلقوا النار وتسببوا بالقتل. ونفت القوات اللبنانية أي دور.
وفي الوقت نفسه أظهرت كاميرات مراقبة جنديا لبنانيا وهو يطلق النار على المتظاهرين، حيث يقوم الجيش بالتحقيق. لكن إطلاق النار أعاد الكثير من اللبنانيين للوراء وإلى الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما وانتهت عام 1990.
ولا يجادل أحد أن بيطار يقوم بأصعب مهمة في لبنان، فالانفجار الذي ضرب المرفأ في آب/أغسطس 2020 هو أضخم انفجار غير نووي في التاريخ وقتل فيه 218 شخصا ودمر معظم مركز العاصمة بيروت. وكان السبب هو اشتعال وانفجار 2.750 طنا من نترات الأمونيوم المخزنة في عنبر بالمرفأ منذ عام 2013، وتعرضت للإهمال طوال السنوات هذه. وكان معظم الساسة في لبنان على علم بالمادة المخزنة ولم يفعلوا أي شيء للتأكد من سلامتها. هذا هو سبب ترددهم في دعم التحقيق. ويقول الرئيس اللبناني ميشال عون إنه يدعم القاضي بيطار ولكنه منعه من مقابلة طوني صليبا، المدير العام للأمن اللبناني. أما حسان دياب الذي كان رئيس وزراء وقت الانفجار فقد تجاهل الاستدعاءات للتحقيق وأسرع بالسفر إلى أمريكا. لكن حزب الله وحركة أمل هما أكثر طرفين في لبنان حاولا تخريب التحقيق.
كما دعا نصر الله القاضي للتنحي واتهمه بالتحيز. وقالت صحافية لبنانية إن وفيق صفا، رئيس الأمن في حزب الله حملها رسالة إلى بيطار واصلة معنا منك للمنخار، رح نمشي معك للآخر بالمسار القانوني وإذا ما مشى الحال رح نقبعك أي سنمضي معك بالطرق القانونية وإن لم تنفع فسنزيحك بالقوة”.
ويواجه لبنان أزمة اقتصادية ومالية صنفها البنك الدولي كواحدة من الأزمات المالية منذ منتصف القرن التاسع عشر. وتراجع الاقتصاد في العام بنسبة 25%. والليرة اللبنانية التي كانت تباع أمام الدولار بـ 1.500 ليرة للدولار باتت تباع بـ 21.000 ليرة للدولار.
وتجاوز التضخم نسبة 100%. ويتوقع أن يتفاوض ميقاتي مع صندوق النقد الدولي على حزمة إنقاذ وأمامه مهام أخرى، ولم يعد أمامه وقت طويل، التي كان من المقرر أن تعقد الانتخابات البرلمانية في أيار/مايو العام المقبل، إلا أن البرلمان صوت في 19 تشرين الأول/أكتوبر لتقديم موعدها إلى آذار/مارس وذلك لتجنب الحملات الإنتخابية أثناء رمضان. كل هذا سيؤدي لتشدد في المواقف، وسيحاول جعجع استخدام دعمه لبيطار لتوسيع قاعدة الدعم له بين المسيحيين الذين كانوا الأسوأ تضررا من الإنفجار.
إن العودة للحرب الأهلية من جديد لا منطق لها، فحزب الله الطرف الأقوى في اللعبة ومجهز عسكريا أحسن من الجيش، ويفتقد أعداؤه القوة لمواجهته.
وإن لم يكن هناك احتمال للحرب فالاستقرار غير محتمل، فقد هرب آلاف الجنود من الجيش بعدما هبط راتبهم الشهري إلى 60 دولارا نظرا لخسارة الليرة قدرتها الشرائية. وأدت الأزمة لخلق أعداد كبيرة من العاطلين الشباب عن العمل والغاضبين في نفس الوقت. وقد يكون نصر الله واثقا من الدفاع عن حزبه ضد أعدائه وأمراء الحرب. ولو لم توقف الحكومة انهيار لبنان والذي يعقد وضعه كل من حزب الله وأمل فلن يكون هناك أمل بتحقيق السلام.