الرئيسية / مقالات رأي / تحقيق بوتين في تفجير بيروت

تحقيق بوتين في تفجير بيروت

بقلم: طوني فرنسيس – اندبندنت العربية

الشرق اليوم- انضم فلاديمير بوتين صراحةً إلى قادة أمريكا وأوروبا في توصيفهم الحالة اللبنانية، خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت منتصف صيف 2020. يومها كان إيمانويل ماكرون سبّاقاً في وصف المسؤولين اللبنانيين بالفاسدين، وانضمت إليه الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تتحول التهمة إلى بند في سياسة الاتحاد الأوروبي ومختلف البيانات الدولية الصادرة في شأن لبنان.

على أن الرئيس الروسي بوتين ذهب أبعد مما وصل إليه أقرانه في العالم. وفي حواره مع المشاركين في منتدى “فالداي” الروسي السنوي، الذي يُعقد في سوتشي، حمّل مسؤولية تفجير بيروت “لمن جاء بالنيترات وخزّنها، ثم حاول بيعها لتحقيق الأرباح، وفيما كان الصراع دائراً حول حجم الأرباح بين من يرغبون بالحصة الأكبر، وقعت المأساة”.

لم يقُل أي من زعماء العالم مثل هذا الكلام في السابق، قالوا مثله عن مشكلة السلطة في لبنان، وعن الطاقم السياسي الحاكم بشكل عام، لكن أحدهم لم يذهب إلى ربط الانفجار الذي دمر نصف المدينة، وقتل وجرح الآلاف من سكانها بصراع الممسكين بالمرفأ، ومن ورائهم سياسيون ونافذون، على بيع النيترات وتحقيق حصص وازنة من الأرباح، الأمر الذي يفسر عدم معالجة المشكلة منذ بداياتها على الرغم من عشرات المراسلات والتنبيهات التي وجهها مسؤولون أمنيون في الميناء إلى رؤسائهم ومسؤوليهم .

لم يكوّن بوتين استنتاجاته من الفراغ، فهو الأكثر حضوراً وتفاعلاً على الأرض منذ أعوام في سوريا، يرعى بقاء نظام الرئيس بشار الأسد، ويقود الذئبين المتصارعين إيران وتركيا على أرض واحدة، وعلى الوجه الآخر يرسخ علاقات وطيدة مع إسرائيل بحيث تكاد الدولة العبرية تساوي لديه ما تساويه لدى واشنطن. وتزداد هذه العلاقات أهمية في ظروف الانسحابات الأميركية بالمنطقة، من أفغانستان خصوصاً، بحيث تدفع حالة عدم اليقين إسرائيل وغيرها من الدول إلى تنويع مصادر أمنها، وموسكو باتت وجهة مقصودة في سبيل هذا الأمان.

خلاصة “تحقيق” بوتين عن أسباب انفجار العاصمة اللبنانية استندت إلى شبكة علاقاته الواسعة المذكورة، وإلى سلسلة من الاجتماعات الدولية والإقليمية شملت عدداً واسعاً من الشخصيات، إثر قمة حزيران (يونيو) الماضي بينه وبين الرئيس الأمريكي جو بايدن. وهو عندما يعلن ما أعلنه من حيثيات “مدهشة” عن حادثة بيروت، فإنه يوجه رسائل عدة، إلى أطراف عدة، في الوقت ذاته:

يقول أولاً إن الفساد ينخر جسم السلطة في لبنان، وثانياً إن التحقيق يجب أن يكشف ما ليس معروفاً بعد عن توزيع نِسب تحمّل المسؤولية بين “تجار” النيترات. وأخيراً، وهذه رسالة كما يبدو موجهة إلى “حزب الله” تحديداً: “دعك من خوض معركة المحقق، فأنت حزب كبير لك أدوارك الأخرى!”.

وبوتين قال هذا الكلام فعلياً للحزب المذكور، أبلغه أنه “قوة سياسية مهمة في لبنان”. وموسكو “مع حل الأزمات عبر الحوار، وتسعى إلى القيام بذلك بالتواصل مع جميع الفرقاء التي هي على علاقة معهم جميعاً، بهدف الحل ومنع إراقة الدماء”.

عملياً قال وهو الأب القائد لأوسع تجربة عسكرية يخوضها الحزب في سوريا، إن دوره في لبنان سياسي، أدواته الحوار والاتفاق لحل الأزمات، وهذا لا يمنع في المقابل مواصلة الاستفادة من مساهماته القتالية في سوريا، خصوصاً على جبهات إدلب حيث تواجه روسيا شريكها التركي اللدود، وتلتقي في ذلك رغبة “حزب الله” وإيران بإيذاء المشروع التركي ودعم طموح الأسد في استرجاع المنطقة الحيوية .

لم يقُل بوتين شخصياً كلاماً مماثلاً عن لبنان في السابق على الرغم من كثافة الاتصالات الروسية مع مختلف الأطراف اللبنانيين، وعندما يصدر عنه ما صدر في “التحقيق ودور حزب الله وأفق حل الأزمة عبر الحوار”، عشية لقاء “حميم” مع الشريك الاستراتيجي نفتالي بينيت، يجدر بالمتنافسين في بيروت التأمل قليلاً بما آلت إليه أوضاعهم وأوضاع بلدهم .

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …