الرئيسية / مقالات رأي / النووي الإيراني في غرفة الإنعاش وتزايد مخاطر انفجار كبير

النووي الإيراني في غرفة الإنعاش وتزايد مخاطر انفجار كبير

بقلم: علي حمادة – النهار العربي

الشرق اليوم – طوال الأسابيع القليلة الماضية، توالت التقديرات والتوقعات في العديد من العواصم الكبرى المعنية بمفاوضات فيينا حول البرنامج النووي الإيراني، بإمكانية استئناف جولات التفاوض التي سبق أن علقت في منتصف شهر حزيران (يونيو) الفائت ولا تزال معلقة حتى الآن، كما جرى الحديث عن بحث في تحفيزات متبادلة بين واشنطن وطهران  يمكن أن تسهل عودة كل من الولايات المتحدة إلى اتفاق العام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة) ، في مقابل عودة إيران إلى الالتزام بالقيود المفروضة على برنامجها النووي.

في الأيام القليلة الماضية صدر أكثر من تصريح عن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان يشير فيه إلى أن المفاوضات سوف تستأنف “قريباً”. آخر التصريحات كانت يوم السبت الفائت بعد استقبال عبداللهيان الأمين العام الجديد لمنظمة “ايكو” للتعاون الاقتصادي خسرو ناظري، حيث كرر الوزير الإيراني مرة جديدة الموقف عينه الذي قال فيه إن المفاوضات سوف تعود “قريباً”! جاء ذلك بعد أسبوع حافل شهد مشاورات في أكثر من عاصمة تناولت أزمة التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني. ففي باريس حصل اجتماع  خماسي موسع على مستوى الخبراء بين الدول الأوروبية المشاركة في المفاوضات والشريكة أصلاً في اتفاق 2015، فرنسا، بريطانيا وألمانيا، إضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وكانت مواقف عالية النبرة للمرة الأولى منذ زمن طويل، تصدرها موقف الخارجية الفرنسية. وشارك في الاجتماع عن الجانب الأميركي المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي الذي نقل عنه خلال الاجتماع قوله إن نافذة التفاوض في طريقها إلى الغلق، وإن على إيران العودة فوراً إلى طاولة التفاوض في فيينا. وبدا أن اجتماع باريس تميز بطابع التوتر حيال الموقف الإيراني الذي ينم حسب العديد من المراقبين عن رغبة في حرق الوقت، والتهرب من التفاوض والعودة السريعة إلى الاتفاق قبل تحقيق هدف كبير ما. فهل الهدف هو الاكتفاء بتخصيب كميات كبيرة من اليورانيوم؟ أم أن الهدف أكبر وأهم، يتعلق برغبة القيادة الإيرانية الجديدة التي صارت بعد انتخاب ابراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية أكثر تجانساً بين بعضها البعض، في بلوغ إيران مرتبة  دولة “عتبة نووية”،  وربما أكثر، بتوصلها إلى صنع سلاح نووي في غضون بضعة أشهر من الآن؟ 

الكلام الإيراني الرسمي عن قرب استئناف المفاوضات في فيينا، لم يعد يعتد به، لدرجة أن يسارع المندوب الروسي في “الوكالة الدولية للطاقة الذرية ” ميخائيل أوليانوف إلى الرد على تصريح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الأخير، حيث قال متهكماً: “ماذا يعني قريباً من الناحية العملية؟”.

في مكان آخر،  بدأت مظاهر اليأس تتسلل إلى أروقة القرار في العواصم الأوروبية من إمكانية إنقاذ الاتفاق النووي للعام 2015،  مثل صدور موقف عن وزارة الخارجية البريطانية يقول إن “برنامج إيران النووي أكثر تقدماً، و يثير القلق أكثر من أي وقت مضى”، أو نقل صحيفة “الاندبندنت” البريطانية عن مسؤول أوروبي رفيع قوله إن “الصفقة ( اتفاق 2015 ) لم تمت تماماً، لكنها تعيش على أجهزة الإنعاش”. 

من ناحية أخرى، يتشاور الأميركيون بإستمرار مع الإسرائيليين، ويختلفون معهم بشأن تقييم الطرق والوسائل لمواجهة إفلات إيران من التزاماتها النووية بشكل كامل،   وبلوغها مرحلة يمكن أن تطور فيها أسلحة نووية. ففي وقت لا يزال الموقف الأميركي متأرجحاً ومتقلباً، لا سيما أن خيار إدارة الرئيس جو بايدن لا يزال متمسكاً بالاتفاق النووي، تواصل إسرائيل التحضير للخطة “باء” التي تقول إنها سوف تضعها موضع التنفيذ في حال لم يتم ارجاع إيران إلى نظام رقابة نووية مشددة. أما واشنطن التي كانت دائماً تمارس استراتيجة الغموض، وتتحدث عن خيار غير الخيار الدبلوماسي، فهي اليوم بحسب معظم المراقبين تفتقد الى “خطة “باء” في حال فشل العودة إلى المفاوضات ووقف الخروقات الكبيرة في التزامات طهران النووية. ويخشى الإسرائيليون أن تبقى إدارة بايدن  في حالة من المراوحة، من دون أن تبدأ في العمل جدياً على خيار ما بعد الدبلوماسية، أي بكلام أوضح الخيار العسكري لمنع طهران من تصنيع سلاح نووي من شأنه إذا حصل أن يشكل زلزالاً استراتيجياً في منطقة الشرق الأوسط. بسبب هذا الموقف الأميركي المتقلب والضعيف حسب القراءة الإسرائيلية، تعتزم تل أبيب الاستعداد لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وقد رصدت لذلك أكثر من مليار ونصف  مليار دولار، وبدأت في التحضير لتدريبات مكثفة تحت جنح السرية. 

إذاً المنطقة على أبواب تطورات كبيرة ما لم تتم العودة إلى طاولة التفاوض في فيينا بالتوازي مع وقف كامل وشامل لكل الخروقات الإيرانية للقيود المنصوص عنها في الاتفاق النووي. والموقف الإيراني يظهر من خلال التهرب من العودة إلى طاولة المفاوضات منذ شهر حزيران (يونيو) الفائت، ووضع شروط من الصعب أن تقبل بها الولايات المتحدة، مثل مطلب  رفع العقوبات كبادرة حسن نوايا تسبق العودة الى فيينا، أضف إلى ذلك التلاعب بموضوع  اللقاءات مع الأطراف الاوروبية المعنية بالتفاوض. فتارة تروج طهران لخبر عن اجتماعات تمهيدية يوم الخميس الماضي في بروكسل بين نائب وزير الخارجية وكبير المفاوضين علي باقري ومسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل ، فيتبين أن الأمر غير صحيح ، وطورا، يتم الحديث عن زيارة جديدة للمدير العام لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية ” رافاييل غروسي، لم تتم يوم أمس الأحد قيل إنها لمقابلة وزير الخارجية الإيراني  قبل اجتماع مجلس محافظي الوكالة في مطلع الشهر المقبل، و البحث في إعادة إحياء الاتفاق التقني الذي كان قائما بين شهر  شباط ٢٠٢١(فبراير)، وحزيران (يونيو) ٢٠٢١، بين طهران والوكالة تتعلق بالتفتيش الدولي والمراقبة عبر الكاميرات المثبتة في المنشآت. وتجدر الإشارة إلى أن غروسي  الذي كان بنهاية الأسبوع ما قبل الأخير في واشنطن، أبدى خوفاً من انهيار الاتفاق بشكل تام. كما أن الوكالة سبق أن أصدرت عدة تقارير قاسية بحق السلطات الإيرانية وخرقها المتمادي لالتزاماتها النووية. 

إزاء هذا المشهد، ثمة فريقان يتقاطعان في تقييمهما للموقف: الإسرائيلي والإيراني. الأول يعتبر كما سرب من اجتماعات “المجلس الوزراي المصغر للشؤون السياسية والأمنية” (الكابينيت) يوم الأحد الفائت، أن إيران ليست جادة في العودة إلى اتفاق نووي جديد، وتماطل للعودة إلى مفاوضات فيينا بهدف كسب الوقت لتخصيب كميات أكبر من اليورانيوم. أما القناة الإسرائيلية الرسمية “كان ” فتنقل قبل أيام عن مسؤول إسرائيلي أن المحادثات الرامية لإنقاذ الاتفاق النووي وصلت إلى طريق مسدود، وأن بعض الدول التي شاركت في محادثات فيينا تدرك ذلك! في المقابل يعتبر الطرف الثاني ( الإيراني ) إن ثمة شروطاً مسبقة مطلوبة، لكنه الأهم تقييم  محيط القيادة الإيرانية للموقف الأميركي، حيث تقول صحيفة “وطن امروز” المقربة من “الحرس الثوري” الإيراني في موقف يعكس أجواء تملص حقيقي من الاتفاق النووي أن “الزمن ليس في صالح الولايات المتحدة التي فقدت أوراق ضغطها لإجبار طهران على العودة إلى الاتفاق النووي، والحديث عن خطة “باء” الذي يكثر منه المسؤولون الأميركيون في الأيام الأخيرة في حال فشلت المفاوضات، هو عودة إلى السياسات القديمة لواشنطن  والتي تستخدم التهديد للضغط على إيران للعودة الى طاولة المفاوضات”.  

في مطلق الأحوال، إذا كانت ايران تشرف على أن تصبح دولة “عتبة نووية”، فالمنطقة في المقابل تكاد بسبب الملف النووي الإيراني، والصراع الإقليمي حول المشروع التوسعي لطهران  في أكثر من بلأ، أن تصبح على عتبة تفجيرات، إن لم يكن تفجيراً شاملاً يعيد خلط الأوراق على مستوى المنطقة.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …