بقلم: أرثر كروبر – الشرق الأوسط
الشرق اليوم – بعد أن رزحت تحت وطأة ديون بقيمة 300 مليار دولار، تتجه شركة «إيفرغراند» التي تعد أحد أكبر مطوري العقارات في الصين، نحو الإفلاس، لتثير المخاوف من حدوث انهيار عقاري أوسع نطاقاً قد يصل إلى حد حدوث أزمة مالية.
لكن هذه ليست الأزمة الوحيدة التي تحاصر الحكومة الصينية، حيث يهدد نقص غير متوقع في الكهرباء بإبطاء التصنيع. وعلى مدار العام الماضي، شنت الحكومة حملة شرسة لتنظيم شركات الإنترنت النشطة في الصين، مما تسبب في خسائر للمستثمرين تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
السمة المشتركة لهذه الأزمات هي أن جميعها نجم عن سياسات الحكومة. ففي نظر بكين، تهدف هذه السياسات إلى إصلاح المشاكل الهيكلية العميقة في الاقتصاد وإرساء أسس أكثر صلابة للنمو المستقبلي. وبالنسبة للعديد من الغرباء، فإن هذه الأزمات تمثل تراجعاً مخيباً للآمال عن الإصلاحات الموجهة نحو السوق في الماضي، وتشير إلى نهاية الازدهار الاقتصادي الطويل في الصين. لكن من المرجح أن تكون التوقعات بشأن هلاك الصين خاطئة، كما كانت في كثير من الأحيان.
تباطَأ الاقتصاد إلى حد الزحف في الربع الأخير من العام، حيث نما بنسبة 0.2 في المائة فقط مقارنة بالربع السابق، وسيكون ذلك أكثر وضوحاً خلال الأشهر العديدة القادمة. يعد تباطؤ النمو في الصين نبأ غير مرحب به للاقتصاد العالمي الذي يكافح لاستعادة موطئ قدمه بعد الاضطرابات الناجمة عن وباء «كوفيد – 19». لكن على مدى السنوات القليلة المقبلة، من المرجح أن تستعيد الصين الزخم، وإن كان جزئياً بسبب العمل الشاق الذي تقوم به الآن.
إن أكبر مصدر للقلق في الوقت الحالي هو انهيار شركة «إيفرغراند». فشأن غالبية مطوري العقارات الصينيين، تعتمد الشركة على مصدرين رئيسيين للتمويل، تتمثل في الودائع التي يدفعها مشترو المنازل قبل البناء ومبالغ ضخمة من الديون.
نجمت مشاكل شركة «إيفرغراند» عن حملة حكومية بدأت العام الماضي لإجبار مطوري العقارات على تقليل التزاماتهم، فيما يعد أحدث خطوة في جهد استمر خمس سنوات للسيطرة على ديون البلاد. ووفقا لبنك التسويات الدولية، فقد تضاعف مستوى الدين الإجمالي للصين، ليصل إلى 290 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، منذ عام 2008 وفي حين أن هذا المستوى يمكن مقارنته بمستوى البلدان الغنية ذات الأنظمة المالية المتطورة، فإنه يعد مرتفعاً بالنسبة لبلد متوسط الدخل. ويدرك قادة الصين أنه لتجنب حدوث أزمة مالية أو تجنب تكرار ركود اليابان في التسعينات – في أعقاب فقاعة العقارات الكبيرة التي تغذيها الديون – يجب أن يكون النمو في المستقبل أقل اعتماداً على الديون مما كان عليه في السابق.
المشكلة هي أنه بمهاجمة الديون في قطاع العقارات، فإن المنظمين يخاطرون بإغلاق محرك قوي يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على ما يصل إلى ربع النمو الاقتصادي في الصين. تنتشر المشاكل إلى ما بعد «إيفرغراند»، حيث يواجه المطورون الآخرون مشكلة في سداد ديونهم. كما أن مبيعات وتشييد المساكن الجديدة آخذة في الانخفاض.
من شبه المؤكد أن الدافع لخفض الديون العقارية سيؤثر على نمو الصين في الأرباع القادمة، لكنها لن تؤدي إلى ما يعرف بـ«لحظة بنك ليمان»، عندما يؤدي انهيار شركة واحدة مثقلة بالديون إلى انهيار مالي أو اقتصادي أوسع حيث تمتلك البلاد مجموعة هائلة من المدخرات. والحكومة الآن بارعة في إدارة انهيار الشركات الكبرى، بما في ذلك التكتلات الخاصة مثل HNA وAnbang وBaoshang Bank وHuarong الذي يعد بمثابة مدير أصول ضخم مملوك للدولة.
السؤال الأكبر هو عما إذا كان بإمكان الصين الحفاظ على اقتصاد ديناميكي عندما تبدو حكومتها في عهد الرئيس شي عازمة بقوة على التدخل في السوق. الجواب أنه رغم الرغبة في المزيد من الانضباط من قبل الدولة، فإن الصين لم ترفض الأسواق، وستستمر الديناميكية.
إن بعض تدخلات الدولة حكيمة، إذ إن تشديد الإجراءات على الممتلكات هو جزء من حملة جادة لعلاج إدمان الاقتصاد للديون. وبالمثل، فإن نقص الطاقة الذي أصاب معظم الصين الصناعية يرجع إلى حد كبير إلى الجهود المبذولة لخفض اعتماد البلاد على الفحم. وقد قالت الصين إن انبعاثات الكربون لديها يجب أن تبلغ ذروتها بحلول عام 2030 قبل أن تنخفض، وذلك بهدف الوصول إلى حياد الكربون بحلول عام 2060.
كانت إحدى الاستجابات لنقص الطاقة تتمثل في تحرير أسعار الكهرباء الذي طال انتظاره، مما سمح للمولدات بنقل بعض تأثير ارتفاع أسعار الفحم إلى المستخدمين النهائيين. لذلك ليس صحيحاً أن حكومة شي مناهضة للسوق بشكل صارم. وستواصل بكين، كما فعلت لعقود من الزمان، الاعتماد على مزيج من توجيهات الدولة وقوى السوق، بأن تحدد الدولة اتجاه الاستثمار، مع النتائج اليومية التي تمليها السوق.
القلق الأكثر خطورة هو الهجوم الذي استمر لمدة عام ضد شركات التكنولوجيا الكبيرة المملوكة للقطاع الخاص، ولا سيما التجارة الإلكترونية وشركة «علي بابا» العملاقة للتكنولوجيا المالية، وشركة «ديدي». ومن غير الواضح ما إذا كان بإمكان الصين أن تصبح رائدة حقيقية في الابتكار حال أصرت على سحق أكثر الأعمال التجارية نجاحا.
ومع ذلك، فالقصة ليست أن الأمر كله سيئ أو كله حسن، إذ إن حملة الإنترنت لا تهدف إلى سحق المؤسسات الخاصة: فالشركات الخاصة في العديد من القطاعات، بما في ذلك الأجهزة التقنية، تبلي بلاء حسناً. فالحملة تتناول وبطريقة استبدادية للغاية نفس المخاوف بشأن التكنولوجيا الكبيرة التي تتصارع معها الحكومات في جميع أنحاء العالم وهي: القوة غير الخاضعة للمساءلة، والممارسات الاحتكارية، وحماية المستهلك الرديئة، وميل الاقتصاد التكنولوجي الثقيل إلى عدم المساواة في الدخل.
يتمثل أحد المخاوف الأخيرة في أن هذه التحركات نحو مزيد من الانضباط الحكومي ليست مدفوعة بدوافع اقتصادية بل رغبة شي في تعزيز سلطته قبيل انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي في أواخر عام 2022، حيث يتوقع الفوز بفترة ولاية ثالثة كزعيم للبلاد. على المدى الطويل، هناك خطر يتمثل في أن القوة المركزية المفرطة يمكن أن تقلل من قدرة الحكومة على إدارة الاقتصاد. لكن شي يدرك أيضاً أن قوته لن تكون ذات قيمة كبيرة ما لم يستمر الاقتصاد في النمو.
لن تدير الصين اقتصادها أبداً بطريقة ترضي الأصوليين المتمسكين بالسوق الحرة. لكنها توصلت إلى نموذج مختلط يؤتي ثماره. ورغم ضغوط اللحظة، فإنها ستستمر في العمل.