بقلم: نك هايلي – اندبندنت العربية
الشرق اليوم- يدرك القادة الذين يجتمعون في “مؤتمر الأمم المتحدة عن التغير المناخي” (كوب 26) مع حلول نهاية الشهر الجاري، أن التغير المناخي يهددنا جميعاً. لكن، ستشعر مناطق تقع على بعد آلاف الأميال من “غلاسكو” بالأثر الأكبر للقرارات التي ستُتخذ في تلك المدينة.
إذ لا يشكل التغير المناخي وحده مخاطر كبيرة على الأشخاص الذين يعيشون في مناطق العالم الأكثر تضرراً جرّاء الصراعات، بل هناك مخاطر أخرى أيضاً تتمثل في الاستجابة العالمية عن ذلك التغيّر، ستبرز إن لم نمعن جميعاً التفكير في كيفية الاستجابة بشكل صحيح.
واستطراداً، إن الروابط بين تغير المناخ والأمن واضحة فعليّاً. وفيما تصبح المياه والأراضي المعشبة الجيدة أكثر ندرة، وبينما تضيع المحاصيل الزراعية وترتفع أسعار المواد الغذائية بشكل مفاجئ، تكون النزاعات على الموارد الشحيحة إلى إزدياد.
وفي ذلك الإطار، فبينما تكمل إثيوبيا “سد النهضة” الكبير الذي يمثّل مبادرة ضخمة في الطاقة المتجددة، وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تأثير المشروع على منسوب مياه نهر النيل بأنه “تهديد خطير لأمن واستقرار المنطقة بكاملها”.
وكذلك شهد وسط نيجيريا قتالاً دموياً شرساً بين المزارعين المستقرين، وبين الرعاة الرحل [الذين يبحثون عن مراعي]. وقد لقي ما يزيد على 15 ألف شخص مصرعهم في سياق الصراعات بين المزارعين والرعاة في غرب ووسط أفريقيا منذ 2010. ومن اللافت أن نصف أولئك الضحايا سقطوا منذ عام 2018.
وفي سياق موازٍ، يبذل صنّاع السلام المحليون جهوداً في أنحاء تلك المناطق، وتشملها كلها غالباً قرية بعد قرية، من أجل التوسط لعقد اتفاقات جديدة حول المصادر المتناقصة، مع أن التغير المناخي يعني أنهم في سباق مع الظروف الطبيعية على الدوام.
وكذلك ستعتمد سبل عيش هؤلاء المزارعين والرعاة، وحياتهم في الغالب، على الإجراءات التي ستتخذ في مؤتمر “كوب 26” بغية إبطاء وتيرة تغيّر المناخ. في المقابل، ينطوي ذلك الفعل على مخاطر هائلة بالنسبة إلى ملايين الاشخاص في المناطق الهشة والمتأثرة بالصراعات، ما لم نعمل بمزيد من الجد لوضع تلك الإجراءات في شكل صحيح.
وحاضراً، تعمل دول منطقة الساحل الأفريقي حيث تلتقي مراعي القارة السمراء بالصحاري، على زراعة “جدار من الأشجار” بطول 8 كيلومترات بهدف كبح تقدّم الصحراء. في المقابل، أجبر ذلك الجدار السكان البدو الرحل في السنغال من أبناء شعب الـ”فولاني” على إجراء انعطافة كبيرة في طرق الرعي التي يتبعونها عادة، الأمر الذي أدى إلى نفوق ماشيتهم قبل أن يصلوا إلى مراعي جيدة.
وكذلك يجري إذكاء التوترات في مناطق تشكو من عدم الاستقرار فعلياً. يجب أن يكون التكهن بهذا النوع من التداعيات والتعامل معها، حاضراً في أذهان أولئك الذين يخططون لاستثمار الـ100 مليار دولار من التمويل المناخي، الذي يعتزم مؤتمر “كوب 26” تقديمها.
في سياق متصل، يقع الابتعاد عن الوقود الأحفوري بحق، في صميم أجندة مؤتمر “كوب 26”. بيد أن عدداً من البلدان الأكثر هشاشة في العالم تعتمد بشكل كبير على عائدات الهيدروكربونات [كالوقود الأحفوري]، والوظائف التي تساعد هذه الصناعات على استمراريتها. وهكذا، يحتاج الحدّ من استخدام النفط إلى معالجة متروية من أجل تفادي التسبب في مزيد من عدم الاستقرار.
بالتالي، كي نصنع البطاريات والتكنولوجيا المتجددة اللتين نحتاجهما في الوصول إلى التصفير الكامل [لانبعاثات غازات التلوث المسببة للاحتباس الحراري]، يجب أن يحصل العالم في 2050 على خمسة أضعاف كميات الـ”كوبالت” والـ”ليثيوم” التي نستخرجها اليوم. في المقابل، يوجد عدد من المصادر الرئيسة لتلك المعادن في أماكن كجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث المناجم عرضة للاستيلاء عليها مِنْ قِبَل جماعات مسلحة تسعى إلى الحصول على المال من أجل متابعة حملاتها. وتعتبر أفغانستان وزيمبابوي أيضاً من المصادر الاساسية للـ”ليثيوم”.
ولحسن الحظ، ثمة إجابات شافية لكل ذلك، أو في الأقل مبادئ وطرق مساعدة يمكن تبنيها لصياغة الإجابات. إذ ينبغي دائماً أن نفكر بالصراعات وعدم الاستقرار حين صياغة الاستجابة للتغير المناخي بوجوهها كلها. ويشمل ذلك التفكير فيها لدى وضع الخطط للتأقلم مع هذا التغير والتخفيف منه، وتنفيذ استثمار جديد في دول هشة، والتخطيط للتحول الاقتصادي. بالتالي، يتطلب ذلك الأمر طرقاً جديدة في العمل مع الانقسامات الموجودة ضمن الحكومات والقطاع الخاص ومنظمات التنمية، إضافة إلى الانقسامات بين تلك الأطراف أيضاً.
وكذلك ينبغي للمجتمعات المحلية وتلك التي ستتأثر بشكل مباشر، أن تشارك في طرق تصميم وتنفيذ الخطط والاستثمارات والتدخلات [في مشكلة المناخ]. ونحن معتادون على ذلك في دول كالمملكة المتحدة حيث تتكفل القواعد والنظم بإلزام مستثمري الطاقة المتجددة مثلاً بإشراك المجتمعات المحلية وممثليها في التخطيط وإتاحة فرص الوصول إلى الأراضي وغيرها من الحقوق. ويمكن لهذه العمليات أن تستغرق وقتاً طويلاً، بيد أنها تسمح بالإصغاء إلى أصوات مختلفة، وبالتوفيق بشكل سلمي بين مصالح متصارعة.
لكن، ربما لا تضم المناطق الأكثر هشاشة في العالم هياكل عمل من ذلك النوع على الإطلاق. وإذا وجدت أُطُرٌ من ذلك النوع، فغالباً ما تكون متنازعاً عليها بشكل أكبر ومعرضة أكثر للفساد. وقد لا يستطيع السكان المحليون أن يرفعوا أصواتهم من دون أن يواجهوا بعض العواقب.
في ذلك الصدد، يكمن الجواب في إيجاد طرق لإشراك المجتمعات والعمل معها على الرغم من تلك العقبات. ويتطلب ذلك بعض الوقت، والتركيز والشراكات الجيدة، لكنه أمر حيوي من أجل بناء السلام من ناحية، وكي يكون النجاح على المدى الطويل حليف مشاريع المناخ نفسها، من ناحية أخرى.
وكذلك قد يكون من المغري الجدال بأن حالة الطوارئ المناخية ملحة للغاية، وفي غاية التعقيد فعلياً، ما يعني أن مثل تلك المخاوف يجب ألا تحظى بالأولوية، ولا تكون في صدارة الاهتمامات. وسيكون ذلك خطأ فادحاً.
بالنتيجة، إن في مقدورنا كمجتمع عالمي، أن نبني عالماً أكثر اخضراراً وأماناً. ويمكننا أن نفعل ذلك من خلال الاعتراف بالصلات الموجودة بين المناخ والصراعات، وكسر الحواجز والصوامع في تفكيرنا واستجابتنا، وأيضاً عبر العمل عن كثب مع المجتمعات في الأماكن الأقل أماناً في العالم. يجب علينا أن نفعل ذلك، لأن استجابة العالم لحالة الطوارئ المناخية، قد تكون بالنسبة لهم حرفياً مسألة حياة أو موت.