بقلم: جمال الكشكي – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – من يربي الثعابين لن يسلم من لدغاتها، التاريخ يقول إن أوروبا فتحت أبوابها للتنظيمات الإرهابية بدعوى الحرية وحقوق الإنسان، الذئاب تنفرد بأوروبا، الخطر يهدد الأمن القومي للقارة العجوز، الذئاب المنفردة تطل برأسها من جديد، بعد يومين من مقتل خمسة أشخاص في مدينة كونغسبيرج النرويجية، صدمتنا حادثة أخرى تتعلق بمقتل النائب البريطاني المحافظ ديفيد أميس، الأوراق تداخلت.. والحسابات تزداد تعقيداً.
إلى أين تسير ظاهرة عودة الذئاب المنفردة؟ ولماذا الآن؟ وهل تتحمّل بعض السياسات الأوروبية مسؤولية هذا الخطر؟
علامات استفهام عدة تطرح نفسها بقوة في المجتمع الأوروبي، لكن الإمساك بهذا الخيط الظلامي يقودنا إلى مفهوم ومعنى ودلالة مصطلح «الذئاب المنفردة»، فالمتعارف عليه بين خبراء الأمن والإنتربول الدولي، هو أن الذئاب المنفردة هو ذلك الشخص الذي يرتكب أعمال عنف في دعم مجموعة أو حركة أو أيديولوجيا، شريطة أن يقوم بذلك وحده دون أية دعم أو مساندة من الهياكل التنظيمية للجماعات التي ينتمي إليها، كما أن مصطلح «الذئاب المنفردة» بدأ في الانتشار منذ عام 1990، حين دعا العنصريان الأمريكيان ألكس كيرتس، وتوم متذغر، الخلايا الفردية والصغيرة إلى العمل تحت الأرض، وبسرية تامة، ومنذ ذلك التاريخ ظهرت في الولايات المتحدة هجمات عنصرية تقوم بها هذه المجموعات بصفة منفردة، ومن دون هرم تنظيمي.
العودة الجديدة لهذا النوع من الإرهاب تقول إن هذه الظاهرة تمثل خطراً كبيراً على أوروبا، وتضعنا أمام ضرورة إعادة الحسابات في التعامل مع التنظيمات والجماعات الإرهابية التي تعتقد أن أوروبا هي الملاذ الآمن لها.
فالقصور الأمني للمؤسسات العابرة للحدود الأوروبية منح هذه الذئاب فرصة كبرى للتحرك والتغلغل داخل جسد القارة العجوز، وبات يشكل التحدي الأكبر.
وبالتالي فنحن أمام أسباب جديدة دفعت لعودة نشاط هذه الذئاب المنفردة، أرى في مقدمتها أن هناك تراخياً في التنسيق بين الأجهزة الأمنية الأوروبية بعضها البعض، سيما أن التقارير الدولية تصفها خلال الفترات الأخيرة بالانكفاء على الذات، وعدم اليقظة في التعاون وتبادل المعلومات وضعف الموارد والإمكانات المخصصة للشرطة الأوروبية، وغياب التشريعات والقوانين الصارمة التي تساعد المجتمع الأوروبي على متابعة نشاط هذه العناصر، ومن ثم فإن هذه الأسباب خلقت بيئة حاضنة لعودة هذه التنظيمات.
في الوقت ذاته، جاء اختراق الذئاب المنفردة لأوروبا في توقيت يشهد تغييراً في اهتمامات العالم سياسياً واقتصادياً وصحياً، فضلاً عن أن العالم يموج بصراعات النفوذ وإعادة التموضع ورسم هيكل القيادة الدولية، وفي القلب منه أوروبا.
وبالتالي فإن بؤرة اهتمام التفكير الأوروبي لم تضع في أولوياتها ظواهر مثل ظاهرة الإرهاب والذئاب المنفردة، فضلاً عن أن العائدين من مناطق الصراعات والنزاعات مثل الشرق الأوسط وأفغانستان، يضاعفون من خطر هذه الذئاب التي باتت تنهش الجسد الأوروبي، وسط كل هذه الأسباب، لا بدّ من التوقف أمام نقطة جوهرية تتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، إذ إن هذه الذئاب المنفردة تتفاعل بشكل كبير مع هذا العالم الافتراضي لإجراء كافة التجارب والخطوات لتطبيقها على أرض الواقع في شكل عمليات منفردة دون الرجوع إلى هيكل وقيادة التنظيم.
اللافت هنا، أن هذه الظاهرة تشكل تحدياً كبيراً لأوروبا، وبالتالي فإن القارة العجوز لم يعد لديها رفاهية تهميش هذه القضية، بل بات ضرورياً وحتمياً إعادة النظر في التعامل مع ظاهرة الذئاب المنفردة بشكل احترافي يواكب الأدوات العصرية، ويستند إلى تشريعات صارمة، وتنسيق أمني معلوماتي يسهم في ردع وقطع الطريق قبل أن تستفحل هذه الظاهرة.