افتتاحية صحيفة الخليج
الشرق اليوم- تقاتل الدبلوماسية الدولية على أكثر من جبهة لتأمين وقف إطلاق النار في اليمن، وكفّ يد ميليشيات الحوثي الانقلابية عن اعتداءاتها المتصاعدة، لا سيما في مأرب، حيث تعيش مديرية “العبدية” كارثة إنسانية، وتتعرض مناطق أخرى لهجمات متكررة بالصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة، من دون أن تسمع الميليشيات الانقلابية النداءات العاجلة لإفساح المجال لإغاثة المنكوبين والاستجابة لدعوات استئناف العملية السياسية، وصولاً إلى إنهاء الحرب.
وتحقيق السلام في اليمن هدف تؤكده كل المبادرات المعلنة، ويعمل عليه المبعوثون الدوليون، ومنهم الأممي هانس جروندبرج، والأمريكي تيم ليندركينج، لكن الجولات الماراثونية واللقاءات الجوالة على العواصم المختلفة لم تأت بأي نتيجة حتى الآن، بينما تكبر معاناة اليمنيين، وتزداد سوءاً من يوم إلى آخر. فالوضع في صنعاء وشبوة والحديدة، وغيرها من المحافظات الخاضعة لسلطة الانقلاب، ليست أفضل حالاً من مأرب. وبشهادة التقارير الدولية، هناك أزمة إنسانية مستفحلة في كل مكان: عشرات الآلاف هجّروا من ديارهم وأصبحوا بلا مأوى، نقص فادح في الغذاء والدواء في أوساط شديدة الفقر، ملايين الأطفال بلا تعليم، والآلاف منهم يجري تجنيدهم قسراً والزجّ بهم في جبهات القتال.
وفي صنعاء، هناك مجتمع أعاده الانقلاب إلى العصور الوسطى بتحريف التاريخ، وبث السموم الطائفية، ومصادرة الأملاك، والجرائم ضد الدولة، والسجون السرية، والإعدامات الميدانية المشينة، وكلها انتهاكات موثقة، وتجري أمام سمع العالم وبصره، ولكن قلّ من يدين أو يستنكر، كأن الشعب اليمني لا يستحق هبّة دولية تنقذه من مأساته التي تجاوزت حدود الاحتمال.
ومنذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، تسلم المبعوث الأممي الجديد مهامه مدعوماً بمبعوث أمريكي، وإلى الآن لم يتبيّن الضوء المنتظر في نهاية النفق، وطيلة هذه الفترة جاب المسؤولان الدوليان العواصم ذات الصلة مرات عدة، وعقدا عشرات اللقاءات من دون جدوى، بينما الوضع يزداد سوءاً عمّا كان عليه الحال قبل أشهر، وبوادر السلام ليست مشجعة.
ومع ذلك، تراهن هذه الجهود الدبلوماسية على عودة محتملة إلى المفاوضات والتوصل إلى حل نهائي وشامل. ورغم أن الكل متفق على أن الأزمة اليمنية لن تحل إلا سلمياً، إلا أن هذه الجهود تتطلب آليات، ووسائل ضغط لإلزام جميع الأطراف، وبالأخص قادة الانقلاب الحوثي، بتسريع إنهاء القتال، واللقاء مع مكونات المجتمع اليمني الأخرى، والتوافق على مشروع للعيش المشترك وبناء المستقبل من دون تهميش أو إقصاء لأي كان.
استقرار اليمن وتعافيه من الحروب والتخلف والفتن، ليس مطلباً يمنياً فحسب، بل هو حاجة إقليمية ودولية، وضرورة لأمن الملاحة، ومكافحة الإرهاب، وإنهاء التدخلات الأجنبية في المنطقة. وهذه المبادئ نصت عليها مرجعيات الحل المعروفة، وشددت عليها المبادرة السعودية المعلنة في مارس/ آذار الماضي.
الحوثي الذي يتوهم نفسه أكبر من اليمن، يتحمل المسؤولية الأكبر في تبديد فرص إنهاء الحرب وحقن الدماء. وإذا استمر الوضع على هذا النحو، فإن الكرة ستصبح في ملعب الوسطاء الدوليين الذين عليهم تغيير آليات العمل، وانتهاج تكتيك دبلوماسي أكثر نجاعة على أمل أن يتحقق السلام في أجل قريب.