By: Dominique Moïsi
الشرق اليوم – في أزمة السويس في أكتوبر 1956، عوقبت فرنسا والمملكة المتحدة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، القوتين العظميين في تلك الحقبة، باعتبارهما مراهقين يسيئان التصرف، إذ بدت المحاولة الفرنسية – البريطانية لإعادة ضبط الساعة الإمبراطورية في الشرق الأوسط عديمة الجدوى وعفى عليها الزمن.
وبعد مرور خمسة وستين عامًا، عادت المملكة المتحدة وفرنسا إلى ذلك الوضع مرة أخرى، ولكن هذه المرة تقوم كل منهما بانتقاد الأخرى في لعبة طفولية من الابتزاز والخداع والانتقام، ولكن هل يجب أن تمارس لندن وباريس هذا النوع من الضغط الذي قد يتوقعه المرء من موسكو وبكين ضد بعضهما البعض؟ وهل فقدنا الحس السليم والقدرة على تحديد التحديات الأكبر ذات الأولوية التي تواجهنا؟
ويبدو أنه قد حان الوقت الآن للتهدئة، فبينما يواجه العالم احتمالية نشوب حرب باردة جديدة بين الصين والولايات المتحدة، فإن باريس ولندن بحاجة إلى بعضهما البعض أكثر من أي وقت مضى، ولكن لا يبدو أن أيًا منهما مدرك للطبيعة غير المسؤولة للمناوشات التي ينغمسون فيها.
وتتراوح هذه المشاحنات من الهجرة غير النظامية عبر القناة إلى مصائد الأسماك، ومن الجهود البريطانية لإعادة كتابة اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشأن أيرلندا الشمالية إلى اتفاقية «أوكوس» التي تم التخطيط لها سرًا بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والتي أساءت إلى الفرنسيين، ولذا فإنه يبدو أن كل جانب أكثر تصميمًا على المواجهة بدلًا من البحث عن حل وسط.
ولكن يشير السياق الدولي الآن إلى عدم نضج لندن وباريس، حيث تزداد الضغوط الصينية على تايوان يومًا بعد يوم، كما أن روسيا فى عهد الرئيس فلاديمير بوتين تبتز أوروبا بشأن الطاقة، ومع ذلك، يخوض البريطانيون والفرنسيون حربًا كلامية، إن لم تكن حرب أفعال، تشبه التوترات بين الديمقراطيات الغربية ومنافسيهم المستبدين في الشرق.
ولذا فإنه يجب على فرنسا ألا تهدد بحرمان جزيرة جيرسي من الكهرباء عندما يفعل بوتين الشيء نفسه مع الغاز تجاه القارة الأوروبية بأكملها، كما أنه لا ينبغي للمملكة المتحدة أن تلعب بورقة الشعبوية بطريقة فاضحة وهجومية لا تترك لباريس خيارًا سوى الرد بالمثل.
فكيف لا تشعر لندن وباريس بالخجل من التدهور السخيف وغير المسؤول تمامًا لعلاقاتهما الثنائية؟ فعادة عندما يحترق مبنى، فإن الاختلافات بين المستأجرين تكون أقل أهمية من الحاجة الملحة إلى معالجة الأسباب الأوسع لحدوث الحريق، ولاتزال فرنسا والمملكة المتحدة تصفان بعضهما البعض على أنهما أبناء عمومة وجيران، فما الذي حدث للحس السليم والعقلانية والبراجماتية على جانبي القناة؟
ولماذا الآن، في الوقت الذي تتطلب الجغرافيا السياسية فيه إحساسًا أقوى بالوحدة والتضامن بين الدول التي تشترك في قيم ديمقراطية مشتركة؟ فمما لا شك فيه أنها صدفة مؤسفة أن يحكم المملكة المتحدة رئيس الوزراء الاستفزازي، بوريس جونسون، في الوقت الذي تستعد فيه فرنسا لإجراء انتخاباتها الرئاسية في أبريل المقبل، وهو ما يشير إلى وجود الرجل الخطأ في الوقت الخطأ، أو بالأحرى الرجال الخطأ، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو أيضًا يحب اللعب بالنار، كما أنه يمكن أن يكون استفزازيًا بلا داع أيضًا، وهو ما ظهر مؤخرًا في تعاملاته مع الجزائر، ومع تصعيد لندن لاستفزازاتها، فإن ماكرون وحكومته لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم لينون من قبل المواطنين الفرنسيين.
وإذا نظرنا إلى الاستفزازات البريطانية من وجهة نظر باريس، فإنها تبدو بعيدة كل البعد عن الواقع، وذلك بالنظر إلى أن اعتماد لندن المطلق على واشنطن يُنظر إليه على أنه رهان خطير، فهل يجب أن يضع البريطانيون كل بيضهم في السلة الأمريكية عندما تبدو القوة العظمى السابقة هشة للغاية ومستقطبة محليًا وغير جديرة بالثقة؟
وخلال مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حاولت لندن تطبيق استراتيجية «فرق تسد» في تعاملاتها مع الاتحاد الأوروبي، ولكنها فشلت في ذلك، فهل يمكن أن تنجح الآن؟
وفي نهاية المطاف، ستستفيد دول مثل موسكو وبكين من هذه التكتيكات السياسية قصيرة المدى المتمثلة في «فرق تسد»، ولذلك فإنه من الضروري أن تعود لندن وباريس إلى العقل في تعاملاتهما مع بعضهما البعض.
ترجمة: المصري اليوم