بقلم: كمال بالهادي – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- تعيش تونس بعد تحوّلات الخامس والعشرين من يوليو/تموز، معركتين متزامنتين من أجل استعادة سيادة الدّولة تجاه الدّاخل وتجاه الخارج. وكلا المعركتين تشكلان تحدّياً للرئيس قيس سعيّد ولحكومة نجلاء بودن الجديدة، وتلقي بظلالها على واقع الشعب التونسي الذي يعاني ارتفاع نسب التضخّم، وغلاء المعيشة.
معركة استعادة السّيادة الدّاخليّة، بدأها سعيّد منذ لحظة 25 يوليو، حينما قرر تجميد البرلمان ومباشرة محاسبة الفاسدين، ويبدو أن هذا المسار سينطلق بقوة بعد تشكيل الحكومة، فتونس التي تغرق في المديونية الخارجية، تعيش حالة فساد مستشرٍ، نخر اقتصادها وجعل الفاسدين ينهبون من مقدّرات الشعب التونسي أضعاف ديونها الخارجية. والرئيس سعّيد يصرّ في كل تدخلاته على أنّه ماض في ملاحقتهم فرداً فرداً، والتصدي لكلّ مؤامراتهم.
معركة الدولة لاستعادة سيادتها في الداخل التونسي ليست هيّنة، فحجم الخراب الاجتماعي والاقتصادي والمالي الذي خلّفه “الإخوان” وراءهم، سيجعل عملية الإصلاح عسيرة، خاصّة في ظلّ حالة تحالف خفيّة بين الفساد الدّاخلي والارتباطات الخارجيّة القويّة والتي تؤثّر في علاقات تونس الخارجيّة؛ بل إنّ هذه التحالفات بين لوبيات الفساد في الداخل وقوى الضغط التي يتمّ تمويلها من قبل أحزاب وأطراف سياسية تونسية وإقليمية، باتت تمثّل إزعاجاً كبيراً للقيادة التونسية، بلغ حدّ استدعاء الرئيس التونسي السفير الأمريكي، وإبلاغه احتجاج تونس على تدخل أمريكا في شؤونها الداخلية، وهي المرة الثانية التي تتخذ فيها تونس مثل هذا الموقف ضد الولايات المتحدة، وقد كانت المرة الأولى عندما هدد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الرئيس ريجان بقطع العلاقات إن اعترضت فيها الولايات المتحدة على قرار مجلس الأمن بإدانة العدوان الإسرائيلي على حمام الشط التونسية في عام 1985.
هذه المعركة الداخلية الشرسة لاستعادة سيادة الدّولة التونسية على المستوى الداخلي، نجدها أكثر شراسة حينما يتعلّق الأمر بمعركة السيادة تجاه الخارج؛ إذ إن الشركاء التقليديين لتونس وهم أوروبا وأمريكا باتوا يتوجسون خيفة من ظاهرة الرئيس سعيّد ومن شعبيته الجارفة، والأهم من ذلك خطواته المفاجئة والتي تربك كلّ حساباتهم؛ بل باتت تسقط من حساباتهم، وهذا ما يفسّر تزايد الضغوط الأوروبية والأمريكية عليه، قصد احتوائه، مستغلّين الأزمة المالية الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تونس.
ومن الطبيعي أن توظف في مثل هذه المعارك الأدوات الماليّة التي يتحكّم فيها الغرب مثل وكالات التصنيف وصندوق النقد والبنك الدولي، في لعبة “العصا والجزرة” كما تم الحديث عن ذلك صراحة في جلسة لبعض نواب الكونجرس حول ما بات يعرف لديهم بالمشكلة التونسية. ويبدو أنّ الأمر بات يتّخذ أبعاداً أكثر جدّية في علاقات أمريكا بتونس ما بعد 25 يوليو؛ إذ يرى محمد صالح العمري، الأستاذ بجامعة أوكسفورد أنّ جلسة الكونجرس حول تونس كشفت عن هواجس واشنطن المتمثلة في ثلاث نقاط رئيسيّة:
– علاقة ما حدث منذ 25 يوليو بإسرائيل؛ حيث استشهد نائب بأقوال سعيّد اعتبرها معادية لليهود. وتحدّث آخر عن اغتيال الزواري وعلاقة تونس بحماس وكذلك عن “المساهمة” البارزة لتونسيين في صفوف “داعش”.
– ضرورة التصدي العاجل للنفوذ الصيني والروسي في تونس. ووقع هنا الاستشهاد ب”السجاد الأحمر” الذي طرحته تونس أمم شركة هواوي.
– تأكيد أن المساعدة الأمريكية ترتبط بأمرين: الأمن وتحرير الاقتصاد. واستشهد النواب بالنقابات “اليسارية” والسياسات “الاشتراكية” التي وقفت دون تركيز اقتصاد سوق حر.
أمّا الموقف الأوروبي فلا يختلف عن نظيره الأمريكي، على الرغم من أن أوروبا هي الشريك الاقتصادي الأوّل لتونس بحجم معاملات بينية يناهز 80 في المئة من التجارة الخارجية التونسية.
ويبدو أنّ أوروبا بدأت تتحسّس أن الرئيس التونسي مختلف عن سابقيه وأنه كما قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون “شخص وطني حدّ النخاع”. ولا غرابة أن تلجأ كل من أمريكا وأوروبا إلى الضغط على تونس، والرئيس سعيّد يعرف أن معركة السّيادة طويلة وشاقّة.