الرئيسية / مقالات رأي / التخضير ما بعد الدمقرطة

التخضير ما بعد الدمقرطة

بقلم: يوسف مبارك – سكاي نيوز

الشرق اليوم- يتم رسم أطر التخضير البيئي وشيطنة النفط من قبل قادة المواصلات الكهربائية والطاقة المتجددة، طمعا في استئثارهم بالتمويل الحكومي، وارتفاع أسهم شركاتهم، ورواج منتجاتهم، المعفاة نسبيا من الضرائب المرتفعة لحض المستهلكين على تبنيها، تزامنا مع أجندة حلفاء بايدن من دعاة الصفقة الخضراء الجديدة في الكونغرس. إنها موجة تربّح جديدة ذات أسواق بكر لهذه الطفرة.

يحصل هذا بالتزامن مع السكوت المريب على مضاربات الميم في تويتر من قبل إيلون ماسك وأمثاله، بصورة يجب تجريمها، ولكنه من فرسان المرحلة، مع سيارات تسلا خاصته وعملة دوجيكوين المشفرة، التي امتدحها ليرفعها المتكالبون من الإمعات ثم يثري هو أكثر من بيعها ويخسرون هم.

يجري هذا الأمر على غرار الشعبية التي كانت من نصيب قادة تطبيقات الاعلام الاجتماعي، بدءا بمارك زوكربرغ في 2006 عندما ترأس أوباما بلاده في 2009، واستغلت التطبيقات كمنصات للتحشيد وهندسة الحراك المجتمعي بحجة الحريات الحقوقية، داخل وخارج الولايات المتحدة وعموم الغرب.

على نفس المنوال، الطاقة البديلة والأكفأ قادمة، لكنها ستمارس الإحلال التدريجي، وليس كما يصورها أو يتمناها دعاة الأحزاب الخضراء، من أنهم ومجتمعاتهم سوف ينسون دولا ومناطقا بأسرها فور إيجاد التركيبة المجدية من الخلائط الكيميائية، أو المصدر البديل الأكفأ في إنتاج وتخزين الطاقة. إنها أحادية متشائمة عن عمد، شبيهة في إحدى مقارباتها بنظرية مأساة العوام لغاريت هاردنغ، التي يصور بها زوال مصدر طبيعي لكثرة استنزاف الأفراد له، انطلاقا من مصلحة كلٍّ منهم الشخصية الضيقة. بمعنى آخر، فلنكتشف الطاقة البديلة، وليذهب عالم النفط ودوله هباء، لأننا سنغلق علينا حدودنا وأجواءنا النظيفة، وليختنق الآخرون، أو لنفرض عليهم ضرائبا وشروطا سياسية!

تمتزج نظرة (هاردنغ) هذه بنظرة أخرى للقس والاقتصادي توماس مالثوس، صاحب مقاربة نواقيس الخطر، المقارنة بين نمو السكان المطّرد والنمو التدريجي للموارد. كل هذه الآراء تواجهنا بفاتورة مقترحة على مصادر دخلنا الأحفورية، تتلاشى عند تبني دولنا لمصادر بديلة حميدة – حسب مزاعم دعاة التخضير. فإن كان نيافة القس اقتصاديا، ففي ديننا عن الأرض أن الله تعالى (قّدر فيها أقواتها).

أخشى أن تصحو غريتا تونبرغ ذات سنة، وقد كبرت واكتأبت، لأن طفولتها استُغلت من قبل لوبي اقتصادي يتدثر بالمُثُل البيئية، جعل منها فتاة بوستر لتنشئة التمرد المناخي عند أطفال اليوم متظاهري الغد المدلين بأصواتهم لدعاتهم. التعافي البيئي هو المصطلح الصحيح للمفهوم الذي يجب أن ننتهجه جميعا، والعالم في حاجة ماسة إليه، لكن من الظلم لوم دول النفط، وجلّها في مناطق ذات مناخ حار وجاف أصلا، بنفس درجة اللوم والتجريم لحكومة خاير بولسونارو التي أحرقت مساحات ثمينة من غابات الأمازون الماطرة، بحجة توفير وظائف التحطيب للبرازيليين.

دعاة التخضير الغلاة باتوا إلغائيين ولا يستمعون إلى ما لا يوافق طموحاتهم، وهم يخفون وراء التباكي على البيئة الكثير من التطلعات المتطرفة في فضاءات الجغرافيتين السياسية والاقتصادية خارج مناطقهم، ولديهم نزعة اجتثاثية تجاه إرث الطاقة ومفهوم (إثارة الأرض industry)، ولننظر إلى التطور الأخير في ألمانيا كمثال، حيث قالت مؤخرا رئيسة حزب الخضر أنالينا بايربوك بأن خط نوردستريم 2 لا يتعدى كونه أداة ابتزاز روسية لأوروبا في احتياجات الطاقة، وتسخيره لرفع الأسعار، في هجوم واضح وغير مباشر على سياسة المستشارة ميركل المتقاعدة للتو، والتي احتوت بواقعية وبراغماتية وازنة اندفاع روسيا للتصدير المتجاوز لأوكرانيا مع حاجة أوروبا الشتوية الحرجة لدفء الغاز.

يبدو أن دعاوى الحماس المغرض لمفاهيم ضرورية، لكنها مطعمة بتجاهل الواقعية والمصلحة المتبادلة، قد باتت بديلا متسارعا للحكمة والتفاهم، والتقدم الراسخ والمشترك بين الأمم. فلنستعد للقادم.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …