بقلم: خيرالله خيرالله – انهار العربي
الشرق اليوم- لم يعد سرّاً أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” ليست على عجلة من أمرها في ما يخصّ العودة الى المفاوضات في شأن ملفّها النووي. يمكن أن تعود في الأيّام القليلة المقبلة، وربّما تجد أعذاراً لتفادي مثل هذه العودة. ثمّة حسابات خاصة بإيران تقوم على المحافظة على النظام قبل أيّ شيء آخر.
ليس معروفاً هل الحسابات الإيرانيّة في محلّها وهل الوقت يخدم هذه الحسابات وهل صحيح أنّ الولايات المتحدة لا تمتلك من خيار آخر غير الرضوخ للشروط الإيرانية؟
اللافت آنّ هناك كلاماً أمريكياً كثيراً عن وجود خيارات أخرى لدى الإدارة في حال استمرار المماطلة الإيرانية، لكنّ اللافت أيضاً أن ليس ما يشير الى موقف واضح لإدارة بايدن تحدّد فيه بدقّة ما المطلوب من إيران…
بدأت تتوضّح نقطة الخلاف الأساسيّة بين طهران وواشنطن. تتعلّق النقطة بالقبول الأمريكي بما تصر عليه إيران بالنسبة الى العودة الى نص الاتفاق الموقع صيف العام 2015 من دون أيّ تغيير للنصّ. وضع ذلك الاتفاق الذي تمّ التوصّل اليه بين “الجمهوريّة الإسلاميّة” ومجموعة البلدان الخمسة زائداً واحداً (البلدان ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن زائداً المانيا) ضوابط للبرنامج النووي الإيراني. لم يأتِ الاتفاق على ذكر السلوك الإيراني في المنطقة وهو السلوك الذي تشكو منه دولها التي لا تضع البرنامج النووي الإيراني في رأس أولوياتها.
بالنسبة الى دول المنطقة، وهذا أمر أدركته الولايات المتحدة لاحقاً، لا يمكن التعاطي مع إيران على القطعة. لا يمكن الفصل بين برنامجها النووي وسلوكها. هذا يعني في طبيعة الحال، ضرورة البحث الجدي في برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانيّة والطائرات المسيّرة… والميليشيات المذهبيّة التي تستعين بها إيران من أجل تدمير دول عربيّة محدّدة من داخل. بين هذه الدول، العراق وسوريا ولبنان واليمن. أكثر من ذلك، تستعين إيران بهذه الميليشيات لتهديد دول مثل المملكة العربيّة السعوديّة وذلك انطلاقاً من اليمن.
بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وهو انسحاب أخذ طابعاً كارثياً، وبعد الموقف المتذبذب لإدارة بايدن من سوريا والعراق، وبعد الذي حصل مع فرنسا التي أخرجتها إدارة بايدن من صفقة الغواصات مع أستراليا، لم يعد أمام حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج سوى اعتماد الحذر. ليس من خيار لدى الإدارة الأمريكية، في حال كانت المحافظة على ثقة حلفائها العرب بها، سوى رفض الاستسلام أمام إيران، لا لشيء سوى لأنّ مثل هذا الخيار سيعني الكثير لكل دولة عربيّة ما زالت تسعى الى المحافظة على نفسها. ثمّة واقع يتمثّل في أنّ كلّ دولة من دول المنطقة تعمل من أجل حماية نفسها من إيران وميليشياتها التي عبثت بالعراق وسوريا ولبنان واليمن، وكادت في مرحلة معيّنة تقضي على مملكة البحرين المسالمة.
سيتوقف الكثير على ما الذي ستفعله إدارة بايدن من خلال تعاطيها مع إيران. سيتبيّن ما اذا كانت المنطقة لا تزال تهمّها أو لا وما إذا كانت لديها مصلحة حقيقية في المحافظة على العلاقة مع حلفائها… أم أنّ على هؤلاء تدبير أمورهم بأنفسهم والتوقف عن التفكير في المحافظة على العلاقة مع واشنطن.
مخيف موقف إدارة بايدن من الحوثيين في اليمن. هؤلاء الذين يسمّون نفسهم جماعة “أنصار الله”، يحاصرون مدينة مأرب وليس ما يشير الى أنّهم سيخذلون إيران المصرّة على سقوط المدينة. كلّ ما تفعله واشنطن يتمثّل في إطلاق تصريحات بين حين وآخر عن ضرورة التزام الحوثيين وقف النار والذهاب الى المفاوضات. من قال إن الحوثيين يريدون التفاوض قبل سقوط مدينة مأرب؟ تتصرّف أمريكا وكأنّ الحوثيين أصحاب قرارهم ولا علاقة لإيران بهم وبقرارهم من قريب أو بعيد.
باختصار شديد، تقترب أكثر فأكثر ساعة الحقيقة بالنسبة الى إدارة بايدن. سيتوقف الكثير على موقفها من المفاوضات مع إيران. إيران ليست مستعجلة. يُفترض بإدارة بايدن أن تؤكّد بدورها أنّها ليست مستعجلة وأنّ لديها أيضاً وسائل ضغط على “الجمهوريّة الإسلاميّة” وليس مجرّد بوادر حسن نيّة لحملها على العودة الى طاولة المفاوضات.
من الواضح، أنّ إيران لا تمزح. اختارت التصعيد في غير مكان. تستخدم أوراقها في المنطقة لتأكيد أنّها اللاعب الأساسي في العراق، حيث يبدو أنّها غير راضية عن نتائج الانتخابات الأخيرة. تستخدم أوراقها في سوريا، حيث تشارك في الحرب على الشعب السوري، كما تثبت يوميّاً أنّها الوصيّ الحقيقي على بشّار الأسد ونظامه. تستخدم أوراقها في لبنان حيث لا يفوت حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” أي فرصة أو مناسبة لتأكيد مقولة أن “أنا لبنان… ولبنان أنا”، وأنّ الاحتلال الإيراني للبلد وجد ليبقى.
لا حاجة الى العودة الى اليمن والتذكير مجدداً به وبما يقوم به الحوثيون الذين ليسوا سوى أداة إيرانيّة. نعم إيران لا تمزح، وهي تصعّد. هل في استطاعة إدارة بايدن أن تثبت لإيران بالأفعال، وليس بمجرّد التصريحات، أنّها لا تمزح أيضاً وأنّها تعرف تماماً ما هو على المحكّ في المنطقة في ظلّ مضيّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” في مشروعها التوسّعي؟