بقلم: ماريا معلوف – سكاي نيوز
الشرق اليوم- لا يمكن اختصار الناتو بأنه مجموعة دول متحالفة فقط ذلك أن الناتو والذي هو تحالف لأميركا الشمالية وأوروبا يقع في منطقة تواجه تحديات عالمية، مثل الإرهاب والهجمات الإلكترونية وقوة الصين المتنامية.
لكن يبقى مستقبل علاقته مع روسيا هو الأهم حيث إن قضايا حماية دول الناتو من هذه التهديدات ستنعكس “بدقة” في العقيدة العسكرية الجديدة، التي ستصف سياسة الحلف في العقد المقبل وقد أعلن أنه من المفترض أن يتم تبني المفهوم الاستراتيجي الجديد في قمة الناتو في صيف عام 2022.
اليوم أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الشرط الأساسي لتطبيع العلاقات بين موسكو والناتو يتمثل في تخلي حلف شمال الأطلسي عن النهج الهادف إلى “ردع روسيا” حيث تقترح موسكو الاتفاق على إجراءات نزع التصعيد بما في ذلك الخفض المشترك للنشاط العسكري على طول حدود روسيا ودول الناتو وتحسين آليات منع الحوادث والتحركات العسكرية الخطيرة” وقد أتى هذا كله بعد قرار موسكو تعليق عمل بعثتها لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو) اعتبارا من 1 نوفمبر المقبل.
في خطوة تأتي ردا على طرد عدد من الدبلوماسيين الروس المعتمدين لدى الناتو والذي كان رده غير المباشر بقوله: إنه تم بحث ملف “الشراكة الشرقية” وضرورة صياغة موقف مشترك ثابت للاتحاد الأوروبي، الذي يتمثل في الحوار من جانب وثبات الموقف من جانب آخر أما بخصوص علاقات الناتو، فيجب أن نبحثها ضمن الناتو، وهذه ليست الدول ذاتها. ونحن لا نناقش ذات المواضيع مع التركيز على ذات الأمور، بمعنى أن الحلف يضم دولا من غير أعضاء الاتحاد الأوروبي، وأن أعضاء الاتحاد الأوروبي ليس كلهم أعضاء في الناتو.. وقد يمكن القول هنا إن مواقف دول أوروبا سياسيا نحو روسيا تبعا لموقعهم منها جغرافيا، فدول شرق أوروبا مثل بولندا وليتوانيا تتفق مع سياسة أميركا في عداء موسكو بينما تتجه سياسة جنوب أوروبا مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا لتجاوز الأزمة مع روسيا.
قبل ذلك لابد من التذكير أن خطوة تجريد الناتو في وقت سابق من الشهر الجاري ثمانية من أعضاء بعثة موسكو لدى الحلف من اعتمادهم جاءت بعد أن وصفهم ينس ستولتنبرغ، أمين عام الحلف، بأنهم “ضباط استخبارات روس غير معلنين” والذي قال “شهدنا زيادة في الأنشطة الخبيثة الروسية، على الأقل في أوروبا، وبالتالي نحن بحاجة إلى التحرك”، واصفا العلاقة بين الناتو وروسيا بأنها “في أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة”.
كذلك كان الاجتماع الساخن بين الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، حيث قاطع لافروف ستولتنبرغ، متهماً الناتو بدعم النازيين الجدد في أوكرانيا والتخلي عن أفغانستان، ووصف “مجلس الناتو وروسيا”، وهو منتدى أنشئ عام 2002 لتعزيز التعاون بين الجانبين بأنه لا طائل منه، وشكا من أن أعضاء الناتو غالباً ما يتحدون ضد روسيا، ليرد ستولتنبرغ بانتقاد الإجراءات الروسية في أوكرانيا، ودعمها لبيلاروس، وتدخلها في الانتخابات في دول الناتو.
وكما هو معلوم فقد كان لروسيا مهمة مراقبة في حلف الناتو، كجزء من “مجلس الناتو-روسيا” الذي مضى عليه عقدين، وهو أيضا يهدف إلى تعزيز التعاون في المجالات الأمنية المشتركة وقد تم تقليص حجم البعثة الروسية من قبل، عندما طُرد سبعة من أعضاء البعثة بعد حادثة تسميم “نوفيتشوك” عام 2018 للعميل المزدوج الروسي السابق، سيرغي سكريبال، وابنته في بريطانيا…ولم تُعقد اجتماعات مجلس الناتو-روسيا منذ عام 2019 بسبب التوترات المتصاعدة ولا يغيب عن البال تدهور علاقة روسيا بالغرب منذ ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014 من أوكرانيا ودعمها للانفصاليين الموالين لروسيا في شرقي البلاد.
قد يمكن القول إن الانفتاح المحدود بين روسيا والغرب يوشك على الانتهاء، وأن مرحلة سيئة من التدهور بين الجانبين تتشكل ملامحها من جديد لتزيد التوترات العالمية في الوقت الذي تتبلور فيه سحب المواجهة بين الصين والغرب بزعامة أميركية.
مسؤولو الناتو على الدوام يصرحون بأن الحلف لا يزال مفتوحاً لحوار هادف مع روسيا، وهو ما يفسره البعض من الناحية النظرية، على أن هناك بعض الفرص للتعاون في قضايا محددة ويبرر بعض المحللين هنا في واشنطن ذلك الأمر بأنه عندما عادت روسيا لتعزيز قدراتها العسكرية تفاجأ حلف الناتو، كما تفاجأت الولايات المتحدة وحلفاؤها مرة أخرى، حين أصبحت السياسة الخارجية الروسية حازمة وعدائية وطموحة بشكل متزايد خلال العقد الماضي، ليس فقط في مناطق الاتحاد السوفياتي السابق، بل امتدت إلى الشرق الأوسط، وأميركا اللاتينية، وأجزاء من أفريقيا مما أثار مخاوف من عودتها كتهديد رئيس للمصالح الغربية.
هنا في واشنطن توقفت كما توقف غيري من المراقبين عند ما كتبته مجلة “ناشيونال إنترست” والتي قالت إن روسيا لديها خطة رئيسية يمكن الاعتماد عليها في إبادة دول حلف شمال الأطلسي “الناتو” بصورة كاملة، وتحويل غالبية أوروبا إلى ركام نووي باستخدام 189 قنبلة نووية.. وتابعت “ناشيونال إنترست”، في تقرير عن الحرب النووية بين روسيا و”الناتو”: “ما يجب أن يعرفه الجميع هو أنه لن ينتصر أحد في تلك الحرب”.
في رأيي فإن التعاطي مع التحدي الروسي يتطلب تحديد الأولويات والتمييز بين الاهتمامات الأولية والثانوية، لأن أوروبا هي المسرح الرئيس للمواجهة بين الشرق والغرب بينما كانت المكاسب الروسية خارج أوروبا أقل بكثير، وكانت تشكل تحدياً أقل خطورة لمصالح الولايات المتحدة وكذلك ورغم كل شيء فإن روسيا ستظل أيضاً مصدر قلق خطير للأمن القومي للولايات المتحدة بسبب ترسانتها النووية وقدراتها التقليدية والإلكترونية وبسبب التزام الولايات المتحدة بقيادة حلف الناتو، الذي يخوض هذه المواجهة المتوترة مع روسيا.
أخيرا يمكن القول إن العلاقات بين روسيا والناتو فاترة جداً منذ مدة طويلة، غير أن الجانبين كانا يحتفظان حتى في أحلك الأوقات بأشكال من التعاون لإبقاء أدنى قنوات الاتصال مفتوحة بين الطرفين، ومع ذلك أعلن الحلف العسكري الغربي طرد جزء كبير من مندوبي روسيا لديه، على الرغم من أن العلاقات بين الجهتين تأسست قبل عقدين من الزمن للمساعدة في تعزيز الحوار والتعاون في المجالات الأمنية المشتركة بينهما.. وبالتأكيد ستترك الأزمة الأخيرة بين روسيا والناتو نتائجها السلبية ليس على طرفيها فحسب؛ بل على العلاقات بينهما وبين الدول الأخرى المعنية بهذا الصراع الدائر خلال الأشهر المقبلة.