بقلم: أندرو غرايس – اندبندنت العربية
الشرق اليوم- الاقتراحات التي قدمتها المفوضية الأوروبية لإصلاح البروتوكول حول إيرلندا الشمالية [وهو جزء من اتفاق الخروج من أوروبا مع بريطانيا] تذهب إلى أبعد مما كان متوقعاً. فقد صممت هذه المقترحات لتكون أدوات عملية للتخفيف من المشكلات اليومية في الإقليم، بدلاً من كونها مجموعة من التنازلات المقدمة إلى المملكة المتحدة.
الأفكار التي طرحها ماروس سيفكوفيتش Maros Sefcovic نائب رئيسة المفوضية الأوروبية تتضمن خطاً أخضر لمرور البضائع من بريطانيا إلى إقليم إيرلندا الشمالية من دون الكثير من التدابير الجمركية المعمول بها حالياً، أو أي من عمليات الكشف (العيني) على النباتات والحيوانات. وتسمح طروحات سيفكوفيتش بحرية انتقال الأدوية والأغذية (ومن بينها النقانق) على أن تمر المنتجات البريطانية المتجهة إلى جمهورية إيرلندا وأوروبا عبرها ضمن القناة الحمراء [تتطلب تعبئة التصاريح الجمركية].
هذه الإجراءات من شأنها تحييد الانتقادات التي ساقتها المملكة المتحدة ضد الطريقة التي نفذ من خلالها الاتحاد الأوروبي البروتوكول. قال لي مصدر أوروبي “لقد ذهبنا إلى أبعد الحدود الممكن الذهاب إليها والتي لن تؤدي إلى اعتراض الدول الأعضاء مثل فرنسا على مضمونها”، كما أخبرني، وأضاف “هذه المقترحات تشكل أساساً موضوعياً لمناقشات إضافية وهي ليست مطروحة بغرض الموافقة عليها أم رفضها”.
تلك المقترحات تندرج في سياق الاتفاق المعمول به حالياً ولا تحتاج إلى بروتوكول جديد كما يطالب ديفيد فروست، وزير شؤون بريكست البريطاني. فروست عليه أن لا يرفض الخطوة التصالحية التي قدمها الاتحاد الأوروبي واعتبارها غير كافية لو كان مهتماً حقاً في التوصل إلى تسوية. لكنه سيعبر عن خيبته لعدم إزالة الاتحاد الأوروبي البند الذي يخول محكمة العدل الأوروبية السهر على تطبيق البروتوكول [بوصفها المرجعية القانونية]. وهذا لا يعتبر أمراً مفاجئاً، إذ يقول مسؤولون إنها مسألة “تتعلق بالقانون الأوروبي” لأن إقليم إيرلندا الشمالية لا يزال خاضعاً (عملياً) لقوانين السوق الأوروبية الموحدة.
وترتاب بروكسل، وهي هنا على حق، في أن فروست يضخم من قضية اختصاص محكمة العدل الأوروبية لحرف الأنظار، وكي يتيح ذلك للمملكة المتحدة استخدام البند 16 لتعليق العمل بأجزاء من البروتوكول ــ وربما يفعل ذلك الشهر المقبل بعد عدة أسابيع من المفاوضات (الجديدة). فاختصاص محكمة العدل الأوروبية ECJ مقلق بالنسبة لحزب الوحدويين في إيرلندا الشمالية فيما هم يتنافسون في التشدد في ما بينهم قبل انتخابات مايو (أيار) المقبلة في الإقليم، ولكنني أعتقد أن الاتحاد الأوروبي مصيب في استنتاجه أن الناس في الإقليم مهتمون أكثر بالقضايا العملية من اهتمامهم بالقضايا النظرية.
ولا يبدو مفاجئاً أيضاً أن يكون الاتحاد الأوروبي متردداً في تبديل اتفاق بالكامل لم يدخل حيز التنفيذ العملي إلا في يناير (كانون الثاني) الماضي. وعندما يجادل فروست أن البروتوكول “قد تمت كتابته بوتيرة متسرعة كثيراً وفي زمن أحاط به الكثير من عدم اليقين”، وكأنه هنا كان يلقي بالمسؤولية على تيريزا ماي (رئيسة الوزراء السابقة). ولكن من وقع على الاتفاقية كان (رئيس الوزراء بوريس) جونسون في 2019. ربما كان عليه مناقشة الأمر مع كبير المفاوضين في حينه ــ الرجل كان يدعى ديفيد فروست. دومينيك كامينغز، مستشار جونسون الأقرب في تلك الفترة، يجادل هذه الأيام أن رئيس الوزراء لم يكن يفهم البروتوكول، كما كنت قد كتبت في السابق. وقال كامينغز “لقد حاولنا العبور بأفضل الخيارات الممكنة في حينه وكنا نهدف لجعل [جونسون] يتراجع عن الأجزاء التي لا تعجبنا بعد الفوز بالانتخابات ضد كوربين. كامينغز ينفي أن ذلك كان بمثابة كذب من قبل جونسون على الناخبين في انتخابات 2019، لكن كثيراً من الناس سيستنتجون (اليوم) أن “صفقته الجاهزة لدخول الفرن” oven-ready deal لم تكن جاهزة أبداً.
في خطابه، عرض فروست “جزرة عهد جديد من العلاقات” بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لو أمكن امتصاص “سم” البروتوكول الخاص، بما في ذلك التعاون في الشؤون الدفاعية والعلاقات الخارجية الذي ترغب به كثير من دول الاتحاد الأوروبي. ولكن هل فعلاً يتمنى جونسون علاقات إيجابية بين المملكة المتحدة وجيرانها والذين هم حلفاؤها الطبيعيون؟ أنا لا أعتقد ذلك.
لقد تفاجأت من ادعاء فروست أنه ليس “هناك من عائد انتخابي في استمرار الحديث عن بريكست إلى ما لا نهاية ــ إن العكس [خلاف ذلك] صحيح”. ولكن ذلك هو تحديداً ما فعله جونسون خلال مؤتمر حزب المحافظين السنوي من خلال رسم حدود حزبه لمرحلة ما بعد بريكست التي تميزه عن حزب العمال، خصوصاً رفع رواتب الموظفين ومسألة الهجرة.
لو كان جونسون صادقاً، فالشعار الذي من شأنه خلافة [أن يحل بعد] “أنجزوا اتفاقية بريكست” لا بد أن يكون “حافظوا على مسألة بريكست” [في قلب الجدل السياسي البريطاني حتى الانتخابات العامة المقبلة]. لماذا قد يتمنى جونسون ذلك؟ إنه يريد تذكير الناخبين في مناطق الجدار الأحمر [الذين كانوا تقليدياً يصوتون لحزب العمال وغيروا مواقفهم بسبب بريكست] أنه قام بالوفاء بوعده بإنجاز بريكست كما يود عرض بعض نتائجه الإيجابية. واستمرار العلاقة المتوترة مع الاتحاد الأوروبي تخدم تحديداً هدفه هذا.
ويقف حزب “العمال” في وضعية دفاعية، فهو لا يريد الحديث عن بريكست أو عن موضوع الهجرة بسبب حساسية ما بقي له من مناصرين في مناطق الجدار الأحمر. كير ستارمر (زعيم حزب العمال) يعد بأنه “سيعمل من أجل إنجاح بريكست” وهي ربما خطوة في الاتجاه الصحيح، وإن كانت خطوة تجريبية لجس نبض الناخبين [وربما غير كافية].
في المقابل، ربما ستؤدي نجاحات جونسون في الأمد القصير إلى معاناة على المدى الطويل ــ وتؤدي إلى عكس المتوقع جراء سياسة ما يصفه بعملية الانتقال إلى اقتصاد ما بعد بريكست، الذي يتميز برواتب عالية وحرفية عالية وإنتاجية عالية. لقد اضطر (حتى الآن) إلى الاعتراف بمسؤوليته عن مشكلات عرقلة سلاسل الإمداد (التي تسبب بها بريكست جزئياً) كجزء من حملة شعاراته الجديدة. لذلك سيصعب عليه بشكل كبير الإفلات وبطريقته المعهودة ومفادها “لوم طرف آخر” مع استمرار نقص البضائع وتأخر وصولها.
في الأثناء، سيجد كثير من الموظفين أن التضخم قد أكل شطراً كبيراً من الزيادة في أجورهم [تراجع قدرتهم الشرائية]. ويتخوف وزراء خلال لقاءاتهم الخاصة من وصوله [أثر التضخم] إلى عتبة الــ 6 في المئة المتوقعة. وعلى الرغم من أن مستوى الأجور سيرتفع رسمياً بنسبة ستة في المئة، لكن هذه النسب قد تنخفض إلى 4 في المئة عندما ينشط الاقتصاد وينمو بعد إنهاء العمل ببرنامج التسريح المؤقت furlough scheme، وإنهاء العمل بعقود قصيرة المدى راجت خلال فترة الجائحة.
“أبقوا مسألة بريكست” [في قلب الجدل السياسي البريطاني] هذا الشعار ربما لن تثبت فعاليته بالشكل الذي قد يتمناه جونسون.