بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم – سواء في السياسة أم على الأرض، ثمة ما يشي بأن السودان سائر نحو مرحلة مضطربة، قد تقضي على الآمال المعلقة بحدوث انتقال في رئاسة المجلس السيادي من العسكريين إلى المدنيين في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. فالخلافات على أشدها داخل المجلس وخارجه والبلد في شبه شلل، نتيجة الاحتجاجات والانفلات الأمني في شرق البلاد حيث الموانئ الرئيسية على البحر الأحمر مقفلة.
وجدير بالذكر، أن السودان يعيش منذ 21 آب (أغسطس) 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهراً، تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024. ويتقاسم السلطة خلال هذه الفترة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام في 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2020.
وبدأت هذه الفترة عقب عزل قيادة الجيش في 11 نيسان (أبريل) 2019 عمر البشير من الرئاسة، تحت ضغط احتجاجات شعبية مناهضة لحكمه.
ومنذ 17 أيلول (سبتمبر) الماضي، يغلق المجلس الأعلى لنظارات البجا كل الموانئ على البحر الأحمر والطريق الرئيسي بين الخرطوم وبورتسودان، احتجاجاً على ما يقول إنه تهميش تنموي تعاني منه المناطق الشرقية.
ويدعو المجلس القبلي إلى إعادة تشكيل حكومة الفترة الانتقالية من كفاءات مستقلة (من دون انتماءات حزبية ولا سياسية)، وعقد مؤتمر قومي لقضايا الشرق، ينتج منه إقرار مشاريع تنموية فيه.
وتختلف الآراء داخل المجلس السيادي حول سبل الحل. فرئيس المجلس الفريق عبدالفتاح البرهان، يؤكد إنه لا حل للأزمة الراهنة في البلاد إلا بحل الحكومة الحالية، وتوسيع قاعدة المشاركة في الحكم. وهو يتهم بعض القوى السياسية “بمحاولة شغل الرأي العام بافتعال مشاكل مع القوات المسلحة ورفض الحوار مع الآخر”، مؤكداً أن “القوات المسلحة ستحمي الفترة الانتقالية للوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب من يحكمه”.
أما رئيس الحكومة عبدالله حمدوك فطرح الجمعة خريطة طريق تقوم على وقف التصعيد والدعوة الى الحوار، وقال إن الأزمة الحالية أسوأ وأخطر أزمة تهدد الانتقال الديموقراطي في البلاد. ورأى أن المحاولة الانقلابية الفاشلة، التي وقعت الشهر الماضي، “أججت الخلافات بدل أن تكون فرصة لتنبيه الجميع على المخاطر المحدقة بالبلاد”. وفي إشارة ذات مغزى، اعتبر أن “الصراع الدائر الآن في البلاد ليس بين المدنيين والعسكريين، بل بين معسكر الانتقال الديموقراطي ومعسكر الانقلاب على الثورة”.
ولا يقتصر الانقسام على عسكريين ومدنيين داخل المجلس السيادي، بل إن الجهات التي قادت الثورة على حكم البشير، تعاني من الانقسامات منذ اليوم الأول للاتفاق الانتقالي. وهذه هي قوى الحرية والتغيير -مجموعة الميثاق الوطني- تقود تظاهرات تطالب بحل الحكومة و”استعادة الثورة”. ولا تشارك هذه المجموعة في الحكومة.
لكن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير -وهو غير مجموعة الميثاق الوطني- له رأي آخر ويرفض حل الحكومة، ويعتبر أن “الأزمة الحالية في البلاد تقف خلفها قيادات عسكرية ومدنية محدودة تهدف لإجهاض الثورة، عبر تجويع الشعب وتركيعه وإحداث انفلات أمني وإقفال الموانئ وإغلاق الطرق”.
هذه الخلافات هي المناخ الأفضل للعسكريين كي ينقضّوا مجدداً على السلطة، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ولذلك، تلوح أخطار جدية تهدد استكمال المرحلة الانتقالية، التي يفترض أن تنتقل في نهايتها البلاد إلى الحكم المدني الكامل، من طريق انتخابات تشريعية ورئاسية.
وتفرض الأجواء غير الصحية التي تعيشها البلاد، حالة من عدم اليقين حيال ما يمكن من تطورات مقلقة، وتزرع الشك في إمكان المضي في خريطة الطريق التي اتفق عليها في آب (أغسطس) 2019.
وإذا لم تحتكم القوى السودانية الحريصة على الانتقال إلى الديموقراطية، إلى الحوار في ما بينها، للخروج بموقف موحد، فإن العودة إلى الحكم العسكري لن تكون ببعيدة أبداً. وعندها يخسر الجميع.
ويبقى الاختبار الحقيقي للنيات هو في تسليم العسكريين رئاسة المجلس الانتقالي الشهر المقبل.