بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- يبدو أن الوساطة الأوروبية لدى إيران للعودة إلى المفاوضات النووية في فيينا لم تثمر نتائج حاسمة، وأقصى ما وعدت به طهران المنسق الأمريكي أنريكي مورا الذي زارها الأسبوع الماضي، هو احتمال إجراء مشاورات تمهيدية مع الاتحاد الأوروبي في بروكسيل قبل تقرير موعد الذهاب إلى فيينا.
الهدف من المماطلة الإيرانية في العودة إلى فيينا ليست خافية على أحد، وهي تضمر تجميع المزيد من أوراق القوة في يد طهران وفرض أمر واقع جديد، من طريق تكديس ما أمكن من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاوة تصل إلى 20 في المئة و60 في المئة. وهذا ما يقربها من بلوغ “العتبة النووية” خلال شهر وفق بعض التقديرات الغربية والإسرائيلية.
وفضلاً عن زيادة مخزون اليورانيوم بدرجة باتت تقلق الولايات المتحدة والغرب عموماً ناهيك بإسرائيل، تسعى إيران في الوقت ذاته، إلى توسيع نفوذها الإقليمي عبر ضغط حلفائها الحوثيين على جبهة مأرب، والإيعاز إلى حلفائها في العراق بتصعيد رفضهم نتائج الانتخابات التشريعية التي أظهرت تراجعاً ملحوظاً في شعبية الأجنحة السياسية لفصائل “الحشد الشعبي”، بينما تهتز الساحة اللبنانية أمنياً على نحوٍ غير معهود منذ سنوات، على خلفية مطالبة “حزب الله” بتنحية المحقق العدلي في ملف انفجار المرفأ القاضي طارق بيطار.
ومن خلال الإمساك بالساحات الإقليمية ورفع مخزون اليورانيوم، تبدو إيران عازمة على تغيير معادلة التفاوض في فيينا، وتحقيق مكاسب أكبر من تلك التي كان يتيحها لها الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين طهران والقوى العالمية بما فيها الولايات المتحدة في ظل رئاسة باراك أوباما، إلى أن عمد خلفه دونالد ترامب عام 2018 إلى الانسحاب من الاتفاق ومعاودة فرض العقوبات الأميركية على طهران.
وعلى رغم أن إيران تعاني إقتصادياً من العقوبات، فإنها تلجأ إلى الالتفاف عليها من طريق تعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا، أملاً في أن تحمل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في نهاية المطاف، على تقديم التنازلات التي تريدها مقابل العودة إلى التزام بنود اتفاق 2015.
وإدراكاً منها لأهداف المناورة الإيرانية عبر التلكؤ في الذهاب إلى فيينا، بدأت واشنطن تستخدم نبرة أعلى في توجيه التحذيرات إلى طهران. وكان وزير الخارجية أنتوني بلينكن صريحاً في القول الأسبوع الماضي، إن الفرصة الزمنية تضيق أمام إحياء الإتفاق، وأن الولايات المتحدة ستلجأ إلى “بدائل أخرى” في حال أخفقت الديبلوماسية مع إيران.
وفي الوقت نفسه، تعمل الولايات المتحدة على تكثيف المشاورات مع الحلفاء ومع إسرائيل لمناقشة “البدائل الأخرى” التي تلوح بها واشنطن والتي لا يخفى هذه المرة أنها تتضمن احتمال اللجوء إلى استخدام القوة، لمنع إيران من استكمال برنامجها النووي ومنعها من الحصول على القنبلة.
وتتناغم التهديدات الأمريكية مع تلك الصادرة عن إسرائيل، لا سيما عن رئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد ورئيس الأركان الجنرال أفيف كوخافي، والتي تؤكد كلها على “نفاد صبر” الدولة العبرية، بعدما تجاوزت طهران “كل الخطوط الحمر” على صعيد تخصيب اليورانيوم وتركيب أجهزة طرد مركزي حديثة، وفق ما قال بينيت في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر).
وهكذا تقذف إيران بالمنطقة نحو تصعيد خطير قد يقود إلى إنفجار شامل غير مسبوق، وستترتب عليه نتائج كارثية بكل الحالات.
هل تستدرك إيران عواقب سياستها، وتتراجع قبل أن يضغط أحد الأطراف على الزناد؟
يبقى هذا رهاناً وارداً إذا أيقنت القيادة الإيرانية الجديدة المتشددة، أن إدارة بايدن ليست في وارد التسليم بالشروط الإيرانية، وكذلك شعرت بأنها قد تدفع ثمناً باهظاً لقاء المناورات التي تمارسها.