افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – بعد غياب ثمانية أشهر، عادت اللجنة الدستورية السورية إلى الاجتماع في جنيف بعد خمسة اجتماعات سابقة لم تؤدِ إلى أي تقدم يمكن البناء عليه في إحداث اختراق في الأزمة السورية، نتيجة تباعد المواقف بين وفدي الحكومة والمعارضة، وعدم الاتفاق على حلول وسط بشأن نقاط الخلاف.
صحيح أن حل النزاع في سوريا من خلال إصلاح دستوري أو دستور جديد غير ممكن، غير أن التقدم في اللجنة الدستورية يمكن أن يفتح باباً لعملية أوسع وأعمق، ويوفر منطلقاً لتسوية سياسية، وإطاراً لشكل النظام الذي ستقوم عليه سوريا مستقبلاً بعد الخروج من هذا الصراع الممتد لأكثر من عشر سنوات، وأدى إلى دمار واسع ومصرع مئات الآلاف وأضعافهم من الجرحى، عدا عن تشريد الملايين في الداخل والخارج، ووقوع مساحات واسعة من شمال وشمال غربي البلاد تحت سيطرة ميليشيات إرهابية ومجموعات مسلحة، وقوات تركية وأمريكية.
فهل يحمل الاجتماع السادس للجنة المصغرة (خمسين عضواً) والذي يستمر حتى يوم الجمعة المقبل من جديد؟
المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا جير بيدرسون يؤكد أن اللجنة سوف تعمل في جولتها السادسة وفق منهجية جديدة غير تلك التي عملت عليها في السابق، أي أن تعمل «بجدية على عملية صياغة إصلاح دستوري، وليس التحضير فقط»، وتعتمد هذه المنهجية على احترام القواعد الإجرائية، وتقديم نصوص المبادئ الدستورية الأساسية.
ويمكن للجنة الدستورية أن تراجع دستور 2012، أو أن تقوم بتعديل الدستور الحالي، أو صياغة دستور جديد، وعلى نحو يتماشى مع القرار الأممي 2254، الذي يلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، ويستند إلى الالتزام بسيادة البلد واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه، وصولاً إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وفقاً لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة.
لقد عمل بيدرسون بشكل مكثف خلال الأشهر القليلة الماضية مع رئيسي وفدي الحكومة السورية أحمد الكزبري، والمعارضة هادي البحرة، للتحضير للجولة الجديدة، كما قام بزيارة موسكو مرتين منذ الاجتماع الأخير، لمطالبتها بالإسهام في إنجاح هذه الخطوة، كما عقد اجتماعاً في جنيف مساء أمس الأول مع كل من الكزبري والبحرة للوقوف على استعدادهما مباشرة محادثات إيجابية تفضي إلى نتيجة، وتكون مختلفة عن الاجتماعات السابقة.
الحقيقة، أن الأزمة السورية تتجاوز في أبعادها مسألة الدستور، هي صراع مكشوف بين قوى إقليمية ودولية، وجدت في الجغرافيا السورية ساحة مناسبة لتصفية حساباتها من خلال قوى ومجموعات مسلحة تعمل لحسابها بالوكالة، أو من خلال انخراط مباشر بقوات نظامية تعمل على توفير الدعم والإسناد لهذه المجموعات التي تنفذ مخططاتها.
أما الدستور وشكله ومضامينه فهو جزء ثانوي من الصراع، وأعضاء اللجنة الدستورية هم مجرد تروس قانونية في هذا الصراع، وقدرتهم على تحديد مضمون الدستور يتوقف على ما يحققه كل طرف في الميدان من نقاط قوة.