بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تطرح الأزمة السياسية الراهنة في السودان مشكلات متعددة الجوانب وهي كما يقول رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، باتت تهدد عملية الانتقال الديمقراطي برمتها. والإنذار الذي أطلقه رئيس الحكومة نهاية الأسبوع الماضي يقول بوضوح إن الفترة الانتقالية معرضة للفشل، وهو أمر في حال حدوثه قد يدفع السودان إلى مصائر واحتمالات مجهولة وشديدة الخطورة أهونها تفكك وانشطار الدولة وأشدها سوءاً نشوب الحرب الأهلية.
ولا نريد هنا أن ننجرف وراء موجة من التشاؤم والتوقعات السوداوية، إذ لا يزال في الإمكان احتواء الأزمة وإنقاذ المرحلة الانتقالية. لكن من المهم الإشارة إلى جانب من جوانب الأزمة بدأ يبرز بوضوح على سطح الأحداث، وربما تكمن مفاتيح الحل في تسليط المزيد من الأضواء على محاولة دراسة تفاصيله بالدقة والاهتمام الضروريين.
هذا الجانب يتعلق بتعريف طرفي الشراكة القائمة في المرحلة الانتقالية السودانية بين العسكريين والمدنيين. والواضح أن الطرف العسكري في هذه الشراكة يعبّر عن نفسه بشكل واضح، وهو يتكون بشكل أساسي من قيادة الجيش والدعم السريع والجهاز الأمني وقوات الشرطة. بينما يحتاج الطرف المدني في الشراكة القائمة إلى تعريف أكثر تحديداً، فالطرف المدني في الواقع يفتقر إلى التحديد، وهنا تكمن المشكلة التي تعرقل الوصول إلى نوع من الانسجام والتنسيق ووحدة الهدف، وهي العوامل ذاتها التي تغذي الصراعات داخل المكون المدني وتزرع الألغام على طريق الأداء التنفيذي وعلى طريق العملية السياسية برمتها.
كان الطرف المدني في بداية نجاح الثورة وسقوط النظام السابق، تحت قيادة لجنة المهنيين، ثم دخلت الأحزاب بعد ذلك وتم إنشاء «تحالف الحرية والتغيير». وهو تحالف يضم قوى من أقصى اليسار مثل الحزب الشيوعي إلى أقصى اليمين مثل حزب الأمة القومي، بالإضافة إلى تشكيلات أخرى حزبية ونقابية إلى يمين أو يسار التيارين.
ما حدث بعد ذلك أن هذا التحالف دخل في مفاوضات مع قادة المؤسسة العسكرية برعاية وسطاء دوليين وإقليميين، أفرزت في النهاية صيغة القيادة المشتركة للمرحلة الانتقالية. وكان مقرراً ضمن بنود الإعلان الدستوري الذي تم إقراره حينها أن تتكون الحكومة من وزراء ومسؤولين تنفيذيين من الخبراء والاختصاصيين غير المنتمين لأحزاب سياسية وذلك لضمان سلاسة عمل الجهاز التنفيذي من دون التورط في صراعات القوى والأحزاب السياسية. لكن هذا البند تم تجاوزه بسرعة وأصبح تشكيل الحكومة يتم بموجب محاصصات حزبية، ثم تفجرت الخلافات وموجات الكراهية بين حلفاء الأمس. وكانت هذه هي أول بذور الأزمة.
لقد ضرب الانقسام لجنة المهنيين نفسها، فأصبحت كيانين متخاصمين. ثم تشظى تحالف الأحزاب إلى كيانات عديدة وأصبح الصراع على السلطة مكشوفاً. هنا يمكن تحديد جذور الأزمة في تخطي الأحزاب بند الإعلان الدستوري المتعلق بكيفية تشكيل الحكومة الانتقالية من خبراء غير حزبيين. وهنا أيضاً يكمن الحل في العودة إلى ذلك البند مع التزام الزعماء بالنأي عن المناصب الوزارية، وتركيز جهودهم على عمليات الإصلاح الحزبي والاستعداد للانتخابات.