الرئيسية / مقالات رأي / ​ إثيوبيا … تغرق مجدداً في الحرب الأهليّة

​ إثيوبيا … تغرق مجدداً في الحرب الأهليّة

بقلم: أسعد عبود – النهار العربي

الشرق اليوم- تكتوي إثيوبيا اليوم بنيران الحرب الأهلية. بعد تدمير إقليم تيغراي العام الماضي، ودفعه إلى كارثة إنسانية بفعل الجوع وعمليات التنكيل والقتل الجماعي، وفق الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، امتدت الحرب إلى إقليمي أمهرة وعفار.

أخطأ رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد قبل عام بقراره الذهاب إلى إخضاع تيغراي بالقوة، مستعيناً على ذلك بقوات حليفه الأريتري أسياس أفورقي. وكانت النتيجة هزيمة مذلة للجيش الفدرالي في ميكلي عاصمة الإقليم، وانتقال الحرب إلى أقاليم أخرى، وسط موجات نزوح جديدة، وتدهور في الأوضاع الإنسانية، تجد منظمات الإغاثة العالمية صعوبات جمة في التعامل معه.  

خيار الحسم العسكري في تيغراي لم يكن خياراً صائباً، على رغم أن حزب “الازدهار” الذي يتزعمه أبيي أحمد فاز أخيراً في الانتخابات التشريعية، ليتمكن من تجديد ولايته على رأس الحكومة. لكن الثمن الذي تدفعه إثيوبيا اليوم باهظ جداً بسبب الغرق في حرب داخلية، على غرار ما كان عليه الوضع في أوائل التسعينات في المواجهة، التي خاضتها فصائل مسلحة، ضد حكم هايلا منغستو مريام الماركسي. 

وإذا كانت الظروف الإقليمية والدولية قد أتاحت لمناهضي النظام الماركسي إطاحته بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، فإن الظروف نفسها هيأت لإثيوبيا نوعاً من التوازن الداخلي، بينما كانت تخوض حرباً ضارية مع جارتها أريتريا التي استقلت عنها، لتنتهي الأمور في نهاية المطاف بالتوقيع على معاهدة سلام بين أبيي أحمد وأفورقي عام 2018، وليدخل الرجلان في علاقة شبه تحالفية. ونال أبيي أحمد في العام التالي جائزة نوبل للسلام.

بيد أن الزعيم الشاب الصاعد على أنقاض أزمة اقتصادية مستفحلة، كانت سبباً في إقصاء التحالف الذي قادته الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عن السلطة، في انتخابات عامة تلت احتجاجات شعبية واسعة النطاق، ذهب في طموحاته أبعد من طاقته أو طاقة البلاد على الاحتمال، فكان التوتر مع السودان ومصر على خلفية سد النهضة على النيل الأزرق.

وخاض الزعيم الإثيوبي المواجهة مع القاهرة والخرطوم، بتعبئة قومية في الداخل، وصوّر الأمر وكأنه مسألة حياة أو موت بالنسبة الى إثيوبيا، رافضاً تدخل الوساطات الدولية، وبدا القرن الأفريقي وكأنه على شفا انفجار حرب إقليمية جديدة. 

وفي ذروة التصعيد مع السودان ومصر، فتح أبيي أحمد الحرب الداخلية مع إقليم تيغراي، وأغرته سهولة الانتصار العسكري الذي لم يدم سوى أشهر معدودات، تمكنت في ختامها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي المتمرسة في القتال، من خوض حرب عصابات، انتهت بطرد القوات الفدرالية من الإقليم.  

ولعل أبيي أحمد لم يحسب حساباً لاحتمال انسحاب القوات الأريترية من تيغراي بفعل الضغوط الدولية، وهذا ما عجّل بالهزيمة العسكرية للجيش الفدرالي، على أيدي مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. لكن الحرب لم تنتهِ عند هذا الحد. بل إن مقاتلي تيغراي دخلوا إلى إقليم أمهرة، ما استدعى تعبئة عامة من أديس أبابا لصد الهجوم.  

وما يزيد الأوضاع مفاقمة، التقارير الدولية التي تتحدث عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبتها القوات الإثيوبية والأريترية عند دخولها عاصمة تيغراي، مثل جرائم قتل واغتصاب بحق المدنيين، فضلاً عن منع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى السكان. وهذا ما دفع إلى نشوب التوتر بين الأمم المتحدة وأديس أبابا، ولم يتوان أبيي أحمد قبل أيام عن طرد عدد من موظفي المنظمة الدولية.  

وبالنتيجة، كانت خطوات أبيي أحمد غير محسوبة، وتسرع في فتح جبهات عدة ضده في وقت واحد. وإذا لم يسارع إلى خطوات تهدئ التوتر في الداخل وتجنب إثيوبيا حرباً داخلية يمكن أن تنتهي بتفتيتها إلى أقاليم متناحرة.

والإثيوبيون العاديون هم من يدفع ثمن سياسات رئيس الوزراء. وقد تكون العقوبات التي أمر الرئيس الأمريكي جو بايدن بفرضها الأسبوع الماضي على المسؤولين الإثيوبيين المتهمين بالتسبب باستمرار الأزمة الحالية، هي بداية لنمط جديد من التعامل الدولي مع إثيوبيا. فهل يرتدع أبيي أحمد قبل فوات الأوان؟

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …