الرئيسية / مقالات رأي / المرأة التونسيّة.. وجدوى “تأنيث السِّياسة”

المرأة التونسيّة.. وجدوى “تأنيث السِّياسة”

بقلم: خالد عمر بن ققه – المصري اليوم

الشرق اليوم- تتَّجِه تونس بقيادة الرئيس قيس سعيّد إلى حيث تأكيد ميراثها السياسي في التمكين للمرأة من خلال نضال رجالي، سواء على مستوى التنظير من قادة فكر، أمثال الطاهر حداد (1899 ــ 1935م)، الذي قام بحملة لتطور المجتمع التونسي في مطلع القرن العشرين، حيث من المعروف أنه خاض نشاطاً من أجل حقوق العمال النقابية، وتحرير المرأة التونسية، ومنع تعدد الزوجات، وهو مؤلف كتاب “امرأتنا في الشريعة والمجتمع” (1930م)، الذي يعدّ ثاني بدايات التنظير في المنطقة العربية لجهة تحرير المراة وإعادة النظر في الأسرة وتطوير المجتمع، بعد كتاب “تحرير المرأة” للمفكر “قاسم أمين”.

بعدها انتقل التمكين للمرأة التونسية من التنظير إلى التركيز عن حقوقها ــ وعياً وقراراً ـ من خلال إنشاء “مجلة الأحوال الشخصية” التي صدرت في أغسطس 1956م، بمقتضى أمر من باي تونس، ودخلت حيز التنفيذ في يناير 1957م، وتهدف إلى إقامة المساواة بين الرجل والمرأة في عدة مجالات، وتعدُّ من أهم الإنجازات التي قام بها الوزير الأول آنذاك الحبيب بورقيبة (1903- 2000)، الذي أصبح أول رئيس لبلاده بعد استقلالها.

لقد كانت التّجربة التونسيَّة من ناحية “تأنيث الدَّوْلة” من منطلق الوجود الفيزيقي للمرأة، وأحيانا المعنوي، وغالبا المجتمعي على مستوى العلاقة بين الرجل والمرأة (الذكر والأنثى)، وها هي تتعمَّق اليوم في محاولة للتّجاوب مع الشراكة العالمية في إتاحة الفرصة للمرأة من جهة، ولمواجهة تيار الإسلام السياسي بحداثة مجتمعيَّة من جهة ثانية، ولتصدير تميُّز ـ حقيقي أو وهمي ـ عربي من ناحية كسب السباق أوّلا، ومن ناحية القطيعة مع تجربة ديمقراطيَّة غاب عنها الرُّشد خلال السنوات الماضية، وكانت ميراثا مرّا لتجربة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن على ثانياً.

والواقع أن التجربة التونسية في إشراك المرأة على نطاق واسع في العمل السياسي، ونقلها من موقع النضال اليومي لتحقيق مزيد من الحريات، مُزْعجة أحيانا لدول عربية أخرى، خاصة حين يتعلق الأمر بالدين ـ فهما واجتهادا ــ إلى تحميلها مسؤولية القيادة بقرار فوقي من الرئيس قيس سعيّد من منطلق التصحيح، فإنه بقدر ما يشكل نوعاً من الفرح في الوقت الرّاهن، بقدر ما سيحيلها ـ المرأة التونسية ــ إلى مساءلة مُقْبِلة لا محالة حين تتغير الأحوال، وتُعاد قراءة “التصحيح الديمقراطي” اعتماداً على نتائجه، وأيضا على خلفية الفهم الخاص للتجربة.

وبعيداً عن حسابات المرأة التونسية لجهة الدخول في لعبة العدد، وما تراه اليوم مَكاسب مُحقَّقة، تحسدها أو تتمنَّاها أو تقلّدها فيها أختها في الدول العربية الأخرى، فإن اختصار حضورها السياسي في موقف الدولة ممثلة في رئيسها، وما يتبعه من مساندة مجتمعية، ليس حسما ديمقراطيّاً ولا حتى منجزا نسويّاً محليّاً خالِصاً، بقدر ما هو تغيير يتقاطع فيه الوطني مع الدولي، في سيطرة الثاني على الأول لأجل مُسَانَدةٍ لشرعيَّةِ حُكْمٍ هو بشكل أو بآخر مُرَاقب عالميّاً.

ومن شروط ومتطلبات تلك الشّرعية المطلوبة: تكريس تونس دولة سابقة في التفكير، وفي الفعل أيضا، عن المنطقة العربية، لِمَا قدمت من اجتهادات سياسية ودينية، نالت رضا بل تشجيعاً من رؤى ومشاريع قائمة على النقيض للمجتمعات العربية، لذلك علينا أن نَسْأل اليوم وبعد مرور أكثر من عقد على قيام الانتفاضات في دولنا، التي تعرف بالربيع العربي: لماذا كانت الانطلاقة من تونس، وبسرعة، دون توفر شروط موضوعية لقيامها؟.. أليست تونس ــ الحداثة في ذلك الوقت، هي ما تريدُ الدولة التونسية بقيادة قيس سعيَّد العودة إليه اليوم؟.

منذ استقلال تونس عام 1956م، وهي تؤسس لمجتمع جديد يكون للمرأة فيه دور بارز وفاعل، وقد تمكَّنت من ذلك من حيث الحضور، واليوم تجعلها ضمن دوائر صناعة القرار، بعد اختيار نجلاء بودن، أول رئيس حكومة في التاريخين التونسي والعربي، وتشكيلها لحكومة مكونة من 24 وزارة وكاتبة دولة، منها تسع حقائب وزارية تقودها المرأة، شملت (العدل، المالية، الصناعة والطاقة، التجارة، التجهيز والإسكان، المرأة، الثقافة، البيئة، وكتابة الدولة لدى وزارة الخارجية)، وبذلك تشكل حصَّة النساء 38% من الحكومة الجديدة، ما كان للمرأة التونسية أن تصلها ولو بعد عشرات العقود عن طريق الانتخابات، قياسا على تجربتها المحلية في العقود الستة الماضية، ومقارنة بالتجارب العربية الأخرى التي ستبلغ 70 عاما قريباً، إذا اعتبرنا أن ثورة يوليو المصرية 1952م، هي بداية إشراك المرأة في الدولة الوطنيَّة المستقلة، حتى لو كانت على نطاق ضيق.

هكذا إذا تسير تونس نحو فرز مجتمعي ـ غير مقصود ــ يركز على الاهتمام بحقوق المرأة بمعزل عن حقوق الإنسان، وهذا يفرض طرْحَ سؤالٍ أساسيٍّ لا يخص تونس فقط بل يعني كل الدول العربية: هل إشراك المرأة بقرار فوقي ينقذنا من التخلف؟.

قد يحقق إشراك المرأة سياسيّاً في تونس، والبلدان العربية الأخرى، نفْعاً للدولة خاصة في تصديرها لمكانتها، في سعي للقبول والاعتراف بشرعية سلطة هذا النظام أو ذاك، لكن لن يؤدي هذا إلى تغير اجتماعي عام يُعيد للإنسان العربي كرامته المفقودة، ما يعنى أنه لا جدوى من بحث عن عدل جزئي في ظل حاجتنا إلى عدل عام لا يفرق بين الرجل والمرأة، ولكل منهما دوره ومكانته حتى لو تداخلت الأدوار، ونُسِفَتْ المكانات، وغاب معهما حفظ المقامات.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …