BY: LUIS GARICANO
الشرق اليوم – تمثل خطة الاتحاد الأوروبي للتعافي بعد الجائحة فرصة تاريخية ــ فضلا عن كونها مجازفة كبرى. بعد مفاوضات مكثفة، وافق الاتحاد الأوروبي على إصدار ديون مشتركة ــ لأول مرة على الإطلاق ــ لتمويل “مرفق التعافي والمرونة”، وهو صندوق مشترك سيقدم الـمِـنَـح والقروض لدول الاتحاد الأوروبي بهدف تخضير الاقتصاد، وتحويل إدارتنا العامة رقميا، وإصلاح الاقتصادات الراكدة في الكتلة. لكن على الرغم من كل الثناء الذي يستحقه الصندوق الجديد، فسوف يُـحـكَـم على نجاحه من خلال نتائجه.
باختصار، يتوقع الأوروبيون نتائج وليس فضائح. فمن غير الممكن أن تنتهي الحال بالأموال المخصصة للتعافي في الاتحاد الأوروبي إلى التسرب لصالح مخططات احتيالية. وسوف تتضرر آفاق الاتحاد المالي الأوثق والأكثر قوة إذا كان كل ما يتذكره الأوروبيون من جهود التعافي هو أن الأموال أفادت ساسة فاسدين، وأصدقاء مقربين، ومحتالين.
كان البرلمان الأوروبي مدركا لهذه المخاطر عندما أنشأ مرفق التعافي والمرونة. ونتيجة لهذا، يتضمن النص القانوني الذي يحكم توزيع الأموال التزامات صارمة بشأن رفع التقارير والشفافية، فضلا عن أدوار إشرافية أساسية لهيئات المراقبة في الاتحاد الأوروبي: المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال، ومكتب المدعي العام الأوروبي الذي بدأ تشغيله حديثا، ومحكمة المدققين الأوروبية.
الواقع أن مكافحة إساءة استخدام أموال الاتحاد الأوروبي ليست بالأمر الجديد. كانت قضية اختلاس إعانات الدعم المقدمة من الاتحاد الأوروبي تحتل بالفعل مكانا بارزا بين القصص الإخبارية في مختلف أنحاء القارة. في عام 2018، ربطت سلسلة من التحقيقات مقتل الصحافي يان كوتشياك وخطيبته مارتينا كوشنيروفا بتحقيق أجراه في إساءة استخدام أموال الاتحاد الأوروبي في سلوفاكيا. في العام التالي، استقال عدد كبير من الوزراء في الحكومة البلغارية بعد الكشف عن ضلوعهم في اختلاس أموال زراعية تابعة للاتحاد الأوروبي من أجل شراء عقارات. وفي المجر، كشف مكتب مكافحة الاحتيال التابع للاتحاد الأوروبي عن مخالفات خطيرة في مشروع نقل بقيمة 1.7 مليار يورو (2 مليار دولار) وفي عقود جرى التفاوض عليها مع صِـهر رئيس الوزراء لتوفير إنارة الشوارع. في مجمل الأمر، خلال الفترة من 2014 إلى 2019، أوصت هيئة مكافحة الاحتيال باسترداد ما يزيد على 6 مليارات يورو من إعانات الدعم.
توضح هذه الأمثلة التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في تخصيص أموال التعافي بشكل فَـعَّـال. سعى البرلمان الأوروبي إلى حماية الأموال من خلال وضع معايير تقييم صارمة للإنفاق. تشكل هذه المعايير المفتاح إلى فهم المواجهة الحالية بين المفوضية الأوروبية والمجر وبولندا. يتعين على حكومات الاتحاد الأوروبي أن توضح خططها الرامية إلى حماية نفسها من الاحتيال عندما تتقدم للحصول على الأموال. يتضمن التشريع أيضا لغة تمنح الهيئات الرقابية والإشرافية الحق في الوصول إلى البيانات المرتبطة باستخدام أموال التعافي.
لكن هذه الجهود سيكون مآلها التبديد والإهدار إذا فشل الاتحاد الأوروبي في تمويل أنظمة التدقيق والرقابة بالشكل الكافي. على سبيل المثال، في أحدث اقتراح بشأن ميزانية الاتحاد الأوروبي، تفترض المفوضية الأوروبية أن كل موظف في مكتب مكافحة الاحتيال سيراقب ما قيمته 900 مليون يورو من نفقات الاتحاد الأوروبي. في عام 2010، كان نفس الموظف ليتولى المسؤولية عن التدقيق في 300 مليون يورو. يأتي الخفض الأخير في أعقاب اتجاه دام عشر سنوات لتقليص موارد هيئة مكافحة الاحتيال. في عام 2010، كان عدد العاملين في المكتب 466 موظفا؛ وفي عامنا هذا انخفض الرقم إلى 376 موظفا، حتى برغم أن الأموال التي يتوجب الإشراف عليها تضاعفت. على نحو مماثل، كانت موارد محكمة المدققين الأوروبية ومكتب المدعي العام الأوروبي غير كافية.
ويبدو الوضع أشد خطورة عندما نضع في الاعتبار أن الاتحاد الأوروبي يشرع الآن في تنفيذ أكبر توسع لميزانيته في تاريخه. لقد أصبح خطر الاحتيال أعظم من أي وقت مضى. ينفق الاتحاد الأوروبي الآن قدرا غير مسبوق من الأموال، لكن المؤسسات اللازمة للحفاظ على مصداقية نفقاته تفتقر إلى التمويل الكافي.
دفعت هذه التركيبة الخطيرة كتلة “تجديد أوروبا” (التي خلفت تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا في البرلمان الأوروبي) إلى إدخال تعديلات على الميزانية لزيادة موارد هيئات المراجعة والرقابة في الاتحاد الأوروبي بشكل كبير. الواقع أن تزويد المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال، ومكتب المدعي العام الأوروبي، ومحكمة المدققين الأوروبية، بالموارد المالية التي تحتاج إليها لحماية أموال دافعي الضرائب الأوروبيين من الاختلاس والاحتيال، أمر بالغ الأهمية للحفاظ على نزاهة الجهود غير المسبوقة التي يبذلها الاتحاد الأوروبي.
تطلب وضع خطة التعافي انعقاد أطول قمة للاتحاد الأوروبي في الذاكرة الحديثة. وكان لزاما على بعض القادة أن ينفقوا قدرا كبيرا من رأسمالهم السياسي لتمكين التوصل إلى اتفاق. ومن غير المرجح أن يحرزوا ذات القدر من النجاح في المرة القادمة إذا كان كل ما يتذكره الأوروبيون عن البرنامج ليس أكثر من سلسلة من فضائح الفساد والجهود المثيرة للخلاف والجدال لاسترداد الأموال المسروقة.