By: Laurence Tubiana
الشرق اليوم- طبقاً لوكالة الطاقة الدولية فإن البقاء على المسار الصحيح من أجل تحقيق صافي صفر انبعاثات بحلول سنة 2050 يتطلب عدم البدء بمشاريع فحم أو نفط أو غاز جديدة بعد سنة 2021، وهذا يعني أنه يجب على أكبر الدول المصدرة للانبعاثات في العالم إنهاء استثمارات الفحم الخارجية على الفور وتوضيح كيفية التخلص التدريجي من استخدام الفحم الموجود لديها.
إن مؤتمر المناخ “مؤتمر الأطراف 26” هو عبارة عن علامة فارقة بين التعاون الدولي والمنافسة وبصفتي أحد المسؤولين الفرنسيين البارزين الذين تم تكليفهم بالتوصل لصفقة في مؤتمر الأطراف 21 في باريس سنة 2015، أستطيع ان أقدّر حجم التوقعات المطلوبة من الدول المستضيفة لمؤتمر المناخ لهذا العام أي إيطاليا والمملكة المتحدة.
فالقمة في غلاسكو في شهر نوفمبر القادم هي إلى حد بعيد أكثر اجتماعات الحكومات صعوبة منذ مؤتمر باريس، ومن المفارقات استمرار التكامل العالمي الأكبر الى جانب الخلافات الناشئة بما في ذلك مظالم جائحة كوفيد19 والرغبة المتزايدة في تبني سياسات انعزالية على المستوى الوطني.
وفي حين من المتوقع أن تزيد التجارة العالمية بمقدار 8 في المئة هذا العام بعد هبوطها بنسبة 5.3 في المئة سنة 2020 فقد كشف طرح المستلزمات الطبية حسب سلاسل التوريد العالمية عن وجود مصادر عميقة للعداء والتنافس، ومسألة تضامن اللقاحات- التي تفاقمت بسبب قيام الدول الغنية بتخصيص تريليونات للتعافي الاقتصادي الخاص بها– قد أسهمت بشكل كبير في توتر العلاقات المتعددة الأطراف، علما أنه مع اقتراب موعد عقد مؤتمر الأطراف لا يزال يوجد هناك جو عام من التوترات.
ومؤتمر هذا العام سيختبر روح التعاون التي نشأت في باريس، حيث تبنت 196 حكومة بعد عدة جهود فاشلة اتفاق باريس التاريخي الذي جعل صافي صفر انبعاثات حقيقة جيوسياسية، فهذا الاتفاق شكّل منذ ذلك التاريخ المبدأ التنظيمي لكافة الجهود المتعلقة بالمناخ، حيث كان لجميع الدول والمناطق والمدن والشركات والمستثمرين والمجتمع المدني والأفراد مساهمة فيه، ويمكنهم التصرف على أساسه، لقد عكس ذلك الاتفاق تعددية الأطراف التي يحركها الناس في أفضل صورها.
وبعد ست سنوات من مؤتمر باريس للمناخ كان من المفترض أن نرى سلسلة من التأثيرات الإيجابية المتتابعة للتعهدات الشجاعة التي أعلنتها الدول، ولكن عوضا عن ذلك نحن نشهد حاليا موقفا عصبيا يشبه لعبة البوكر، وكما كان عليه الوضع بالنسبة إلى اللقاحات فإن الدول الأغنى لا تشاطر ثروتها وتقنيتها.
ومن الأمور المعبّرة أن المجتمع الدولي لم يحقق بعد هدف اتفاقية باريس وهو 100 مليار دولار أميركي سنويا لدعم استثمارات المناخ في الدول النامية، فالرقم عبارة عن عتبة لا هدف نهائي، وعليه فإن من الضروري تجاوز هذه العقبة، وذلك حتى تعلم جميع الأطراف في مؤتمر الأطراف 26 أن الدول الغنية جادة ومخلصة في تضامنها.
ومن الأمور المقلقة أيضا غياب معلومات محددة عن كيف تنوي دول مجموعة العشرين أن تحقق الأهداف المجردة المتعلقة بصافي صفر انبعاثات، فالعديد من تلك الدول لا تزال تعتمد بشكل كامل على الوقود الأحفوري ونظراً لأن هذه الاقتصادات مسؤولة عن نحو 80 في المئة من انبعاثات العالم، يجب عليها البدء بتضمين المزيد من التخطيط الملموس والشامل لإزالة الكربون كجزء من مساهماتها المحددة وطنيا طبقا لاتفاقية باريس.
وإن خطة المفوضية الأوروبية تظهر كيف يمكن عمل ذلك بشكل مفصل وحسب كل قطاع، ولسوء الحظ فإن الاتحاد الأوروبي هو الاستثناء، فالآخرون لا يزالوا يلعبون البوكر في حين تصبح الغرفة مليئة بالمياه، ففي هذا العام فقط ضربت الكوارث التي تسبب بها المناخ البرازيل وكندا ومدغشقر والصين وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية ودولا كثيرة أخرى، وليست هناك حاجة لتذكّر كل حدث مناخي كارثي، لأنه يكفي بالفعل القول إن المشكلة قد تجاوزت تأهبنا واستعدادنا.
وفي حين تتحسن نمذجة المناخ فإن المسار للبقاء ضمن 1.5 درجة مئوية من الاحترار يضيق أمام أعيننا، ففي أوائل أغسطس أظهر التقرير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أننا نقترب بشكل خطير من 1.5 درجة مئوية بالفعل، مما يعني أن كل جزء من الدرجة مهم فالفروقات بين عالم 1.5 درجة مئوية وعالم 2 درجة مئوية ستكون كارثية.
عندما كنا نتفاوض على اتفاق باريس، كان اجتماع مجموعة العشرين الذي سبقه صعبا كذلك، حتى أن البعض وصفه بالاجتماع الكارثي ولقد شعر الكثيرون أن مؤتمر الأطراف 21 كان مصيره الفشل نتيجة لذلك، ولكن بعد أسابيع من العمل والحوار المكثف، تمكن مؤتمر باريس من التفوق على معظم التوقعات بما في ذلك توقعاتي أنا شخصيا.
كيف يمكن للمملكة المتحدة وإيطاليا توجيه المحادثات لتصل الى نتيجة ناجحة مشابهة؟ لو أردنا الاسترشاد بمؤتمر باريس 2015، فإن مفتاح تحقيق النجاح في هذا المؤتمر هو التأكيد على أنه لا يوجد أحد أو بلد يستطيع التصدي للتغير المناخي بمفرده ونظراً لأن كل طرف في المعاهدة الإطارية للأمم المتحدة المتعلقة بالتغير المناخي لديه صوت متساو فإن أي طرف موقّع على المعاهدة يمكنه أن يتسبب في تعثر المفاوضات، فالحوار بحسن نية والخطط الملموسة والوسائل الجدية لتمويلها هي الطريق الوحيد لتحقيق تقدم.
وهناك بعض التطورات الإيجابية مؤخراً يمكن البناء عليها، ففي وقت سابق من هذا العام تعهدت كل من كوريا الجنوبية واليابان- وهما على التوالي ثاني وثالث أضخم ممول للفحم على مستوى العالم بعد الصين- بإنهاء استثماراتهما العامة الخارجية في الفحم، لكن هناك أيضا مجالات واضحة يجب على الحكومات القيام بالمزيد من العمل بشأنها، فطبقاً لوكالة الطاقة الدولية فإن البقاء على المسار الصحيح من أجل تحقيق صافي صفر انبعاثات بحلول سنة 2050 يتطلب عدم البدء بمشاريع فحم أو نفط أو غاز جديدة بعد سنة 2021، وهذا يعني أنه يجب على أكبر الدول المصدرة للانبعاثات في العالم إنهاء استثمارات الفحم الخارجية على الفور وتوضيح كيفية التخلص التدريجي من استخدام الفحم الموجود لديها.
فروح تعددية الأطراف المخلصة فقط يمكنها حل عدم التوازن الكامن في قلب أزمة المناخ، علما أن آثار تلك الأزمة هي غير عادلة بشكل كبير، فالبلدان التي لا تكاد تكون مسؤولة عن تصاعد المشكلة هي التي تواجه المخاطر الأكثر شدة والتي عادة ما تكون مخاطر وجودية، فلماذا تتفاوض دول الجزر الصغيرة على مصير قد يوصلها للغرق؟
لقد كانت اتفاقية باريس ممكنة فقط بسبب التزامها بتعددية الأطراف، وهذه التعددية تبقى أفضل دليل للتحقق من أهميتها، لقد كانت من الأمور المعبّرة أنه سرعان ما انتهى اجتماع المناخ الخاص بمجموعة العشرين بدون نتائج إيجابية ملموسة هذا العام، وأصدرت الدول الأقل تنمية في العالم بيانا تدعو فيه نظيراتها من الدول الغنية لأن “تتحمل المسؤولية”.
والدوافع المتعلقة بالسيادة والتنافس ستؤدي دائما إلى توترات تؤثر على مجالات التعاون، ولكن ضمن هذه المساحة هناك فرص كثيرة لتحقيق نتائج إيجابية، على سبيل المثال في تبني التكنولوجيا والابتكار التكنولوجي، فهذه الغريزة الطبيعية متجذرة في المصلحة الوطنية، وبالتالي يجب أن تستجيب للاحتمالية المخيفة والمتزايدة لتجاوز 1.5 درجة مئوية.
وطبقا لهذه الروح فإن بعض الخطوات الملموسة لتخفيف التوترات في مؤتمر الأطراف 26 يجب أن تشمل بنداً مخصصا للمناقشات الهادفة المتعلقة “بالخسارة والضرر”، لا سيما أن الأنواء المناخية القاسية هذا الصيف لا تزال في أذهان الجميع، كما يجب على المؤتمر أن يضغط على ما يتعلق بتمويل جهود التأقلم المناخي كجزء من تحرك أشمل لتحقيق الهدف المنشود، وهو ما لا يقل عن 100 مليار دولار أميركي سنوياً، وأخيراً فإن دول مجموعة العشرين التي لم تقدم المساهمات المحددة وطنيا الخاصة بها، يجب أن تقوم بذلك بأسرع وقت ممكن، بحيث تظهر أن سياساتها كافية من أجل الإبقاء على العالم في مسار 1.5 درجة مئوية.
فدول مجموعة العشرين المتلهفة للترويج لدورها كقادة للمناخ يجب أن تستمع بعناية إلى تحذيرات الآخرين لا سيما أولئك الموجودين على الخطوط الأمامية، ولو رأينا زخما على تلك الجبهات من الآن حتى نوفمبر فإن المملكة المتحدة وإيطاليا يمكن أن تبشرا بنجاح مؤتمر الأطراف 26 وهذا سيبقي هدف 1.5 درجة مئوية في متناول أيدينا.