بقلم: جون ديزارد – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – انتهت أزمة «سلاسل التوريد»، سواءً كانت قضية سياسية أو مُصطلحاً انتشر عبر الانترنت، ولكنها في جميع الأحوال انتهت. وبات الآن بإمكانكم مشاهدة البضائع وهي تنساب خلال المنظومة العالمية لعبور التجارة البحرية، بينما تقوم السُفُن بتفريغ حمولتها من الحاويات ثم تحميلها مُجدداً. ربما يتلاشى التكدس في الموانئ ببطء، إلا أن الأسوأ قد انتهى بالفعل وصار ماضياً.
وبعد إتمام غالبية عمليات تسليم البضائع التي كانت مُؤجّلة بسبب التكدس الناتج عن تفشي جائحة «كوفيد 19»، وربما بدأ ذلك بعد العام الصيني الجديد في فبراير الماضي، فإننا الآن في سبيلنا للانتقال إلى القضية السياسية الجديدة أو «الميم»: الكساد. فلماذا سيطلب المستهلكون شراء أغراض جديدة إذا تبين لهم أنهم أفرطوا في طلبات الشراء على مدار العامين الماضي والجاري؟ لذا أتوقع أن تتراكم كميات كبيرة من البضائع على مستوى العالم وستستغرق وقتاً طويلاً نوعاً ما قبل أن تجد من يطلب شراءها.
ولكن في كافة الأحوال، فمن المؤكد أن أزمة سلاسل التوريد والإمدادات بسبب الجائحة قد صارت بالفعل وراءنا. وتُشير البيانات المُتاحة من مختلف موانئ العالم إلى تلاشي تكدس سُفُن الشحن فيها على نحو تدريجي، وبصفة متفاوتة، منذ مطلع 2021. فعلى سبيل المثال، بلغت حركة سُفُن الحاويات ذروتها في ميناء «هامبورغ» خلال الربع الأول من العام، بينما في ميناء «روتردام»، ارتفع عدد الحاويات خلال الربع ذاته بـ0.7 % فقط بالمُقارنة مع الربع الأول من 2020.
وفي ميناء «لونغ بيتش» بولاية «كاليفورنيا»، بلغ عدد الحاويات المُتجهة إلى الميناء ذروته في مايو الماضي، وهو 444.736 حاوية شحن بضائع، إلا أن العدد تراجع بحلول أغسطس الماضي إلى 407.426 حاوية. وبالمثل، بلغ عدد الحاويات الفارغة المُغادرة للميناء 313.070 حاوية في مايو الماضي، ولكن العدد تراجع إلى 268.505 حاوية بحلول أغسطس.
ولدينا أيضاً سنغافورة، والتي سجلت هيئة المنافذ البحرية والموانئ لديها في مارس الماضي ذروة حمولة الحاويات منذ تفشي جائحة «كوفيد 19»، حيث بلغت الحمولة الإجمالية في ذاك الشهر 3.3 ملايين وحدة مكافئة لعشرين قدماً.
وكان آخر اضطراب يُصيب حركة شحن البضائع في موانئ الصين هو إغلاق ميناء «نينغبو» بسبب الجائحة، والذي انتهى في تاريخ الــ 25 من أغسطس الماضي.
وتعني كافة الأرقام المذكورة أعلاه في مُجملها أن مُعدلات الشحن بالحاويات لا زالت مرتفعة. ونتيجة لذلك، تشهد حركة بيع السُفُن تسارعاً لافتاً، كما اُنتُزِعَت سُفُن الحاويات القديمة من صفوف الانتظار قبل تحويلها إلى خُردَة، وأُعيدَت للتشغيل مُجدداً.
لطالما تمتع مالكو السُفُن لسنوات طويلة بعقود مُربحة، ولطالما كانت العديد من الحكومات تُطالبهم بحصص أكبر من أرباحهم الفاحشة. فهل ستتحمل تلك الحكومات نصيباً أكبر من الخسائر الفادحة أيضاً، عندما تتراجع حركة التجارة العالمية؟ لا أحد يعتقد ذلك.
ويتفق لارس جينسن، الرئيس التنفيذي لشركة «فيسبوتشي ماريتايم» للشحن بالحاويات والتي يقع مقرها الرئيسي بالعاصمة الدنماركية «كوبنهاغن»، مع الرأي القائل بأن أسوأ ما في أزمة سلاسل التوريد قد انتهى بالفعل. ويتمتع جينسن الآن بعُطلة سفاري في أحراش كينيا بعد أن أبلت شركته بلاءً حسناً على نحو هائل إبان ذروة أزمة الجائحة. ويقول جينسن: «أوافق أن أسوأ ما في الأزمة قد مرّ بالفعل، اللهم إلا إذا فرضت الصين جولة جديدة من الإغلاق بسبب الجائحة في بعض موانئها».
ولا تبدو احتمالية إغلاق بعض الموانئ الصينية مُجدداً مُرجّحة، ذلك أن الصين قد تتبنى في المستقبل خططاً أكثر ليناً وتنوعاً للسيطرة على الجائحة، بدلاً من سياسة تتمخض دوماً على إغلاق تام لبعض الموانئ.
ويتوقع العديد من الخبراء في صناعة الشحن البحري أن يكون التوجه المُقبل الذي يسود الصناعة هو أن يستغل مالكو السُفُن، مُشغلي الموانئ ومديري شركات الخدمات اللوجستية فترة السنوات المُقبلة في تكثيف أنشطة الأتمتة، وتحليل البيانات وتبادلها، وهو توجه في محله لا جدال فيه، ذلك أنه ثمة حاجة مُلحة بالفعل لتبادل بيانات التجارة والشحن البحري بين الجهات أصحاب الصلة على نحو أكثر سرعة، وفي الوقت نفسه مع مراعاة عدم تعريض خصوصية العملاء للخطر.