بقلم: د.عثمان الطاهات – صحيفة “الدستور” الأردنية
الشرق اليوم – يشكل تصاعد نشاط تنظيم داعش الإرهابي في أفغانستان، واتساع نفوذه في البلاد، خطرا حقيقيا على حركة طالبان كما كان يشكل خطرا على الحكومة الأفغانية والقوات الأميركية في المرحلة السابقة وجاء ذلك التصاعد نتيجة تضافر مجموعة من العوامل.
أولا: احترافية المقاتلين.. برغم أن عدد مقاتلي «داعش» في أفغانستان يقدر ما بين (2000) إلى (3000) مقاتل، وهو عدد ليس كبير مقارنة بتنظيمات أخرى، مثل حركة «طالبان» أو «شبكة حقاني»، إلا أنهم يتمتعون بالاحترافية والخبرة القتالية العالية، نظراً لأن العديد من أعضائه كانوا مقاتلين سابقين في حركة طالبان، مما أكسبهم خبرات قتالية وتنظيمية واسعة كما أنه يضم بين صفوفه مجموعة من المقاتلين الأجانب من منطقة آسيا الوسطى، يتسمون بالمتمرسين في العمل الإرهابي، وهذا ما يجعله يتمتع بالقدرة على القيام بعمليات إرهابية نوعية.
ثانيا: الانتشار الجغرافي.. يتمتع تنظيم «ولاية خراسان»، بانتشار جغرافي جيد في عدد من المناطق، من أهمها المنطقة القبلية الباكستانية، وولاية «ننجرهار»، وبعض المناطق ولاية «كونر»، وحتى المناطق التي لم يتمكن من تثبيت أقدامه فيها، من خلال الوجود العسكري، مثل ولاية «هلمند» و«فراه»، فقد تمكن من إيجاد مجموعات تابعة له فيها، مستندا إلى جاذبية الفكر «الداعشي»، الذي يستند إلى مفهوم «الخلافة»، ويتمتع بهالة من القدسية كبيرة في نفوس المتشددين الأفغان.
ثالثا: التنوع الدعوي.. يسعى تنظيم «داعش» في أفغانستان، منذ اللحظة الأولى من ظهوره، إلى اتباع أساليب دعوية جديدة، وغير تقليدية، سيرا على خطى «التنظيم الأم» في العراق وسوريا، من أجل الانتشار الفكري على أوسع نطاق، حيث قام بإنشاء «الإذاعات المحلية»، مثل «إذاعة الخلافة»، التي كانت تبث بالعربية، والبشتونية، والفارسية قبل أن يدمرها الطيران الأميركي كما تمكن من إنشاء ترددات إذاعية جديدة في المناطق الشرقية والحدودية مع باكستان، يبث عبرها بعض التسجيلات المرئية والدروس الفكرية باللغات المحلية، مما جعله يتمكن من استقطاب مئات من الشباب في تلك المناطق.
رابعا: تعدد مصادر التمويل.. لم يكتف تنظيم «خراسان» بالدعم الذي كان يقدمه له «داعش الأم»، أو بمصادر التمويل التقليدية التي تعتمد غالبا على أموال التبرعات والزكاة والهبات والصدقات، وإنما سعى منذ بدايته إلى تعدد مصادر تمويله، وذلك من خلال فرض الضرائب في مناطق نفوذه، إضافة إلى فرض الأتاوات والرسوم على المهربين والمزارعين والتجار، خاصة الذين ينقلون الفواكه من الجبال في شرق أفغانستان، يضاف إلى ذلك تجارة الأخشاب والحيوانات.
وهذا ما جعل التنظيم يتمتع بوضع مالي جيد مكنه من الإنفاق الجيد على مقاتليه، حيث إن متوسط راتب الفرد داخل التنظيم يقترب من 300 دولار، في حين أن متوسط الرواتب في حركة طالبان 100 دولار، ودفع ذلك العديد من أعضاء الحركة للانخراط في صفوف للتنظيم.
خامسا: الانقسام داخل.. «طالبان» حيث أسهمت الانقسامات والانشقاقات المتكررة داخل حركة «طالبان» في توجه أعداد من المقاتلين لتنظيم «داعش»، نظرا لأنهم يعتقدون أن الانقسامات نتيجة الصراع على السلطة، مما أصبح يمثل تشكيكا في نهج الحركة الفكري لدى العديد من أفرادها، وأسهم في ذلك اتهام «داعش» للحركة بالتسيب في الدين، وإهدار الشريعة، وتقديم المصالح السياسية على الثوابت الشرعية، وذلك عبر مجلة «دابق»، التي كانت قد اتهمت «الملا عمر» بتبني مفاهيم «مشوهة» عن الإسلام، بسبب وضعه القانون القبلي فوق الشريعة، وقبول الاعتراف بالحدود الدولية، وذلك في عددها الصادر في ديسمبر 2014، مما سمح للتنظيم بالحصول على عدد من المقاتلين المحترفين من أصحاب الأفكار المتطرفة كبيرة الشبه من أفكاره.
وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن تنظيم «ولاية خراسان» تمكن من الاستفادة بشكل كبير من تردى الأوضاع الأمنية والسياسية الهشة في أفغانستان في تدعيم قدراته، وتوسع نفوذه، وتصاعد نشاطه، حتى صار خطرا حقيقيا يهدد الوضع في البلاد، والدول المجاورة، لاسيما وأنه يمكن أن يمثل قاعدة «داعشية» في المنطقة، يمكن الإنطلاق منها لتهديد دول الجوار، الأمر الذي بات يفرض على الجميع التكاتف والتعاون من أجل القضاء على «التنظيم»، وتجفيف موارده قبل أن يستفحل خطره، ولا يمكن تحجيمه.