الشرق اليوم – إن المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران من أجل إحياء الاتفاق النووي -الذي توصل إليه الطرفان عام 2015 وانسحبت منه واشنطن بعد 3 أعوام- تسير على نحو سيئ، وذلك يفتح الباب على مصراعيه أمام بدائل قاتمة وينذر بحدوث أزمة جديدة بين الدولتين.
إيران عقّدت مهمة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للعودة إلى الاتفاق إذ رفضت التحدث مباشرة إلى المسؤولين الأميركيين في الجولات الست من محادثات فيينا التي انتهت في يونيو/حزيران الماضي، وتفاوضت بدلا من ذلك عبر وسطاء أوروبيين وروس وصينيين.
كما أبطأت طهران وتيرة التفاوض منذ ذلك الحين بخاصة بعد إجراء الانتخابات الرئاسية التي جاءت بالرئيس “المتشدد” إبراهيم رئيسي إلى سدة السلطة، وتذرّعت بضرورة تعيين وزراء وفريق تفاوضي جديد، معلنة أن المفاوضات النووية لن تستأنف إلا في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي ما يبدو أنها “خطوات تهكمية” على واشنطن قامت طهران بتصعيد أنشطها النووية، إذ أعلنت في التاسع من الشهر الجاري أنها أنتجت أكثر من 120 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، وهي كمية تزيد بنحو كبير على 84 كيلوغراما التي أبلغ عنها مفتشو الأمم المتحدة الشهر الماضي وتقترب من 170 كيلوغراما اللازمة لصنع قنبلة نووية بعد مزيد من التخصيب.
وساعد على وتيرة التخصيب المتسارعة هذه إدخال طهران للخدمة مزيدا من أجهزة الطرد المركزي الأكثر تطورا لتنقية المواد الانشطارية.
وهناك تطورات أخرى مثيرة للقلق منها تحويل غاز سداسي فلوريد اليورانيوم المخصب إلى معدن اليورانيوم الذي يدخل غالبا في تصنيع قنابل نووية، فضلا عن إعاقة السلطات الإيرانية عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.
إن “وقت الاختراق”، أي الوقت الذي ستحتاج إليه إيران لصنع قنبلة واحدة من اليورانيوم العالي التخصيب، تقلص إلى نحو شهر فقط، حسب تقديرات ديفيد أولبرايت من معهد العلوم والأمن الدولي (Institute for Science and International Security) في واشنطن، في حين يقدّره المسؤولون الأميركيون بـ”بضعة أشهر”، وهو في كلا الحالتين وقت أقصر بكثير من أجل السنة أو أكثر، الذي تمتع به العالم عندما دخل الاتفاق النووي حيز التنفيذ (وقد يتطلب تركيب رأس نووية على صاروخ سنتين أخريين).
ومن المؤكد أن الأزمة التي باتت تلوح في الأفق بين واشنطن وطهران كانت متوقعة منذ اليوم الأول الذي انسحب فيه الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق واصفا إياه بأنه “أسوأ صفقة على الإطلاق”.
وقد قيّد الاتفاق أنشطة إيران النووية في مقابل رفع العديد من العقوبات الاقتصادية الدولية -وليس كلها- ثم تلا ذلك فرض وابل من العقوبات من قبل إدارة ترامب في إطار سياستها “للضغوط القصوى” التي أثبتت فشلها، ولم تفلح في إجبار إيران على قبول شروط أكثر صرامة ولا التوقف عن تطوير صواريخها الباليستية ولا وقف دعمها للمليشيات الموالية لها في المنطقة.
كما أن الرئيس بايدن دشّن حملته ضد إيران على وعد باستعادة الاتفاق، لكن إدارته احتفظت بمعظم العقوبات التي فرضها سلفه ترامب على أمل الحفاظ على قدرة واشنطن وقوتها التفاوضية، ولكن مع تسارع برنامج إيران النووي باتت الآن طهران من تمارس سياسة الضغوط القصوى وليس الولايات المتحدة، كما يؤكد مارك فيتزباتريك من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن.
ترجمة: الجزيرة