بقلم: علي ابو حبلة – صحيفة “الدستور” الأردنية
الشرق اليوم – ماكرون اعتَذر للدّولة والشّعب الرواندي على جرائم بلاده وصَمْتها على المجازر، فلماذا لا يعتذر للجزائر وكُلّ الدّول العربيّة والإسلاميّة التي جرى ارتِكاب هذه الجرائم بحقّها، وهي جرائم حرب تتواضع أمامها الجرائم الروانديّة، فقد عبر الرئيس الفرنسي عن أمله في أن يهدأ التوتر الدبلوماسي مع الجزائر وأن يعود الطرفان إلى الحوار.
وقال ماكرون: «أتمنى أن نتمكن من تهدئة الأمور، لأنني أعتقد أنه من الأفضل أن نتحاور من أجل تحقيق تقدم». وأعرب ماكرون عن «ثقته» بنظيره الجزائري عبد المجيد تبون وأكد أن العلاقات معه «ودية فعلاً» في وقت يمر فيه البلدان بأزمة دبلوماسية.
وقال ماكرون في مقابلة مع «فرانس انتر»: «أكن احتراماً كبيراً للشعب الجزائري» عازياً التوترات الحالية إلى الجهود المبذولة في فرنسا حول عمل الذاكرة بشأن حرب الجزائر.
وكان ماكرون أثار حنق و سخط الجزائر بعد كلام له أوردته صحيفة لوموند اعتبر فيه أن الجزائر قامت بعد استقلالها العام 1962 على نظام «ريع الذاكرة» الذي كرسه «النظام السياسي – العسكري» فيها، وقال إن ذلك النظام هو الذي أعاد كتابة التاريخ الاستعماري الفرنسي للبلاد، بمرجعية نابعة من «الكراهية لفرنسا».
وقد استدعت الجزائر سفيرها في فرنسا احتجاجاً على التصريحات التي وصفتها بأنها غير مقبولة. وأغلقت السلطات الجزائرية بعدها مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية، حسب الجيش الفرنسي. من جانبها، دعت «المنظمة الوطنية للمجاهدين» التي تجمع قدامى المقاتلين في حرب تحرير الجزائر، في بيان، الاثنين إلى «مراجعة العلاقات» الجزائرية-الفرنسية بعد تصريحات ماكرون، بحسب فرانس برس، وغالباً ما تطالب المنظمة فرنسا بـ«الاعتذار» عن «الجرائم» التي ارتكبتها خلال استعمارها للجزائر على مدى 132 سنة (1930-1962) والتي راح ضحيّتها، وفقاً للرئاسة الجزائرية، أكثر من خمسة ملايين جزائري.
كثيرون برّروا تصريحات ماكرون هذه بأنّها تعود إلى اقتِراب موعد الانتخابات الفرنسيّة، حيث تتراجع حُظوظه وحزبه فيها، بينما رأى البعض الآخر أنّها تعود إلى حالة العداء العُنصري تُجاه العرب والمُسلمين، وخاصَّةً دول الاتّحاد المغاربي، ليس أدل على ذلك ردّه الاعتِبار «للحِراكيين» الجزائريين (حواليّ 300 ألف منهم) الذين حاربوا في صُفوف الجيش الفرنسي ضدّ الثّورة الجزائريّة، ورحل مُعظمهم مع الاستِعمار الفرنسي بعد هزيمته المُذِلَّة على أيدي المُجاهدين، واستِقباله الحارّ لوفد يُمثّلهم في قصر الإليزيه.
هذا التّراجع من قِبَل الرئيس الفرنسي ما كان أن يتم لولا ردّ الفِعل الجزائري الرّسمي والشّعبي القويّ على هذا التّطاول، فقد بادرت السّلطات الجزائريّة بسحب سفيرها من باريس فَوْرًا، وأغلقت أجواءها في وجه الطّائرات الحربيّة الفرنسيّة المُتّجهة إلى السّاحل الإفريقي، وهدّدت بخَطواتٍ أُخرى أكثر إيلامًا.
ماكرون ومُعظم قادة أوروبا وأمريكا ما زالوا ينظرون إلى العرب والمُسلمين بأنهم متخلفون ودونيون، ويعتقدون أنّ الشعوب العربية ما زالت خاضعة للهيمنة الاستعمارية، وتناسوا أنّ الجزائر التي ضحّت بأكثر من 5 ملايين جزائري في حربها لتحرير أرضها لا يمكن لها أن ترضخ أو تقبل الضيم أو الإهانة لشعبها وللأمة العربية، الكرامة، وعزّة النّفس، واحتِرام العقائد الدينيّة، عناوين رئيسيّة للذّاكرة والهُويُة الجامعة في العالمين العربيّ والإسلاميّ، ومِن المُؤسِف أنّ ماكرون الذي يُريد إعادة كتابة التاريخ لا يَعرِف، وإن عرَف لا يفهم، هذه الثّوابت الأساسيّة في الشخصيّة الجزائريّة وتاريخ الأمة العربية.
حتى المُؤرّخ الفرنسي بنجمان ستورا الذي كلّفه ماكرون بكتابة تاريخ فترة الاحتِلال الفرنسي للجزائر كذّب رئيسه، واعتَرف أنّ الأُمّة الجزائريّة كانت موجودة قبل الاحتِلال الفرنسي، وأنّه كان لفرنسا قناصل في الجزائر العاصمة قبل هذا الاحتِلال.
تجاوز هذه الأزمة لا يجب أن يتم إلا من خِلال تقديم الرئيس ماكرون اعتِذارًا صَريحًا واضِحًا للشّعب الجزائري لا لُبس فيه أو غُموض، ليس فقط عن هذه التّطاولات والتّصريحات الأخيرة، وإنّما أيضًا عن فترة الاستِعمار الفرنسي، والجرائم التي ارتَكبها على مدى 132 عامًا، والتّعويض لأُسَر الشّهداء تمامًا مثلما تُطالب المُنظّمة الوطنيّة للمُجاهدين.