بقلم: قحطان السيوفي – الوطن السورية
الشرق اليوم- في فصل جديد من التوترات بين الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تحالفاً مع بريطانيا وأستراليا لتأسيس حلف أمني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ يسمى «أوكوس»، مع إلغاء أستراليا لصفقة بناء 12 غواصة فرنسية لأستراليا تعمل بالديزيل وحصول أستراليا على غواصات أميركية تعمل بالطاقة النووية.
طبخة «أوكوس» أو الحلف الأنكلوساكسوني أدى إلى زلزلة الحلف الأطلسي، و«أوكوس» اتفاقية تحالف إستراتيجي تهدف لإعادة تشكيل الأمن في آسيا ضد الصين، وأدت إلى تقويض عقد لفرنسا مع أستراليا قيمته 36 مليار دولار لبناء 12 غواصة وتقويض طموحات ماكرون في المحيطين الهندي والهادئ.
في نيسان 2016 تم اختيار شركة «دي سي أن إس» الفرنسية، وحالياً اسمها «نافال جروب»، لبناء غواصات تقليدية للبحرية الأسترالية، وفي أيلول 2021 ألغت أستراليا الصفقة الفرنسية لتشتري بدلاً منها ثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية من الولايات المتحدة.
تلقت باريس خبر إلغاء صفقة الغواصات مع أستراليا كالصاعقة.
الأوروبيون راهنوا بداية على اختزال القضية في خلاف تجاري محض بين بلدين، قبل أن يتحول الأمر لما يشبه زلزالاً وضع مجدداً العلاقات بين ضفتي الأطلسي على المحك حيث اعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان لودريان أن إلغاء أستراليا صفقة شراء غواصات فرنسية واستبدالها بأخرى أميركية يشكل «أزمة خطيرة» وطعنة في الظهر مندداً بـ«كذب وازدواجية وتقويض كبير للثقة» و«ازدراء» من جانب حلفاء فرنسا.
ورأى لودريان أن الأزمة ستؤثر في تحديد المفهوم الإستراتيجي لحلف شمال الأطلسي ومستقبل الحلف، وأضاف لودريان «استدعينا سفيرينا لنظهر لبلداننا الشريكة أننا نشعر باستياء كبير وأن بيننا أزمة خطيرة، واعتبر لودريان أنه بعد الانسحاب ألأميركي من أفغانستان، من دون التشاور مع الحلفاء، وبعد ملف الغواصات، على الأوروبيين أن يتوحدوا ويدافعوا معاً عن مصالحهم».
عبارات قاسية أطلقتها الدبلوماسية الفرنسية للتعبير عن غضبها وخيبة أملها، من الأسلوب الذي عوملت به من قبل الحليف الأميركي وشركائه الأنكلوسكسونيين، أستراليا وبريطانيا.
وأدى بالفعل إلى زلزال أعاد تسليط الضوء على طبيعة العلاقة بين واشنطن وحلفائها عامة، وخاصة غير الأنكلوسكسونيين منهم.
إنها المرة الأولى التي تستدعي فرنسا سفيرها في واشنطن منذ العام 1778، باريس تمكنت من انتزاع دعم الاتحاد الأوروبي عند اندلاع الأزمة، بدا معظم الأوروبيين بمن فيهم الألمان مترددين في اتخاذ موقف واضح، مراهنين على أن يظل الخلاف في إطار تجاري محض، وفي هذا الصدد كتبت صحيفة «هاندلسبلات» في 19 أيلول 2021، ردود الفعل، كانت في أحسن الأحوال، تشبه هز الكتفين على أمل أن يهدأ الفرنسيون بعد فترة، ويحلوا الصراع مع واشنطن».
غير أن الموقف الألماني سرعان ما اتخذ اتجاهاً آخر أمام إصرار الفرنسيين ونجاحهم في انتزاع موقف أوروبي داعم لهم، فقد أعرب وزير الخارجية الألماني عن تضامنه مع فرنسا وقال «أتفهم غضب أصدقائنا الفرنسيين، إن ما تقرر والطريقة التي اتخذ بها القرار كان مزعجاً ومخيباً للآمال وليس فقط لفرنسا يجب أن نفكر في أوروبا في سبل تعزيز السيادة الأوروبية».
رحبت باريس بالتحول في الموقف الألماني والأوروبي، إذ اعتبر الوزير الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمان بون أن خلاف بلاده مع الحليف الأميركي «قضية أوروبية لا فرنسية فحسب».
الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والأمنية الأوروبية جوزيب بوريل قال في نيويورك: الوضع مخيب للآمال للغاية. ورئيسة المفوضية أورزولا فون دير لاين، أعربت بدورها عن دعمها الكامل لفرنسا.
وفي مؤشر على بلورة الموقف الأوروبي، تم تأجيل محادثات مقررة بين بروكسيل وواشنطن بشأن السياسات التجارية والتكنولوجية، وألمح وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمنت بون أنه لا يستبعد وقف المفاوضات الجارية بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا بشأن إبرام اتفاقية تجارة حرة بين الجانبين.
وكانت إدارة بايدن قد أعلنت أن منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، باتت محوراً لتركيز سياستها الخارجية الرئيسية.
لا يخفى على المراقبين طبيعة حلف «أوكوس» الذي يرتكز على البعدين العرقي والثقافي (الأنغلوساكسوني) وكما وصفه بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا على أنه حلف أقارب بالإضافة إلى أبعاده السياسية والعسكرية الإستراتيجية وعلى رأسها احتواء الصين.
من المعروف أن هذه الدول بالإضافة إلى نيوزيلندا وكندا، تقيم حلفاً أمنياً استراتيجياً يعرف «بالعيون الخمس»، وأزمة الغواصات معطوفة على أزمة الانسحاب المتعجِّل من أفغانستان وما أفرزته من صدعٍ في صفوف الحلفاء، أعادت إلى طاولة البحث الأوروبية مسألة «الاستقلال الدفاعي» بعيداً عن الولايات المتحدة لتسلِّط الضوء على أوجه القصور العسكرية لأوروبا، ودعوة باريس وبرلين لتأسيس جيش أوروبي بدلا من الاعتماد العسكري المباشر على الولايات المتحدة الأميركية، حيث إن دول الاتحاد الأوروبي انقسمت إلى معسكرَين: الأول دول شرقية تخشى تمدُّد روسيا وتريد «أوروبا قوية» في إطار «حلف شمال الأطلسي»؛ والثاني دول بقيادة ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا، تسعى إلى تعظيم قدرات الاتحاد الأوروبي بعيداً عن «الناتو»، وتحمُل المسؤولية عن الأمن الأوروبي.
تحالف «أوكوس» يأتي في سياق تحول أوسع للسياسة الخارجية الأميركية التي ترى في الصين تهديداً استراتيجياً تدعي العمل لردعه من المرجح أن يؤدي الخلاف إلى تعميق الشكوك المتزايدة في أوروبا حول مصداقية الولايات المتحدة بوصفها حليفاً، في وقت تتحول فيه السياسة الخارجية لواشنطن إلى آسيا.
أدى حلف «أوكوس» الأنغلوسكسوني إلى فتح أكبر صدع بين دول الحلف الأطلسي منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003.