By: Andrei Kortunov
الشرق اليوم – بعد نشوء تحالف عسكري وسياسي ثلاثي جديد بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا ومخالفة بنود “عقد القرن” الفرنسي الذي يقضي ببناء جيل جديد من الغواصات العاملة بالديزل لصالح أستراليا، انتشرت ردود أفعال مختلطة في روسيا، فسُرّ البعض بنشوء صراع بين الولايات المتحدة وفرنسا، في حين عبّر البعض الآخر عن قلقه من أن يستهدف التحالف الجديد موسكو بقدر بكين، كذلك شعر آخرون بالقلق من تداعيات القرار الأميركي بتقاسم تقنيات الغواصات النووية مع دولة غير نووية.
إنها مخاوف مبررة، لكنها تُركّز على عواقب تحالف “أوكوس” على المدى القصير، عملياً سيترافق قرار إنشاء اتحاد ثلاثي وطرح صيغة جديدة لتحديث أسطول أستراليا تحت الماء مع تداعيات أخرى على المدى الطويل وستتأثر روسيا بها أيضاً، ففي المقام الأول أكد تحالف “أوكوس” على وضع المواجهة القائمة مع الصين على رأس أولويات السياسة الخارجية في عهد الرئيس الأميركي، جو بايدن، وإدارته.
يعني هذا الوضع المستجد أن واشنطن ستُقيّم أي تحركات روسية في سياق مواجهتها مع الصين من الآن فصاعداً، قد يغفل البيت الأبيض مثلاً عن تعاون موسكو مع نيودلهي وهانوي في مجال التكنولوجيا العسكرية، باعتباره طريقة للتصدي لبكين إقليمياً، وفي المقابل سيخضع التعاون الروسي المستمر مع برنامج تحديث القوات البحرية الصينية لتدقيق شديد وقد يصبح مبرراً لفرض عقوبات أميركية جديدة ضد البلدَين، وفيما يخص روسيا التي تُعتبر قوة برية في المقام الأول سيبقى الوضع إيجابياً طالما لا تصبح موسكو في صلب المواجهة الصينية الأميركية.
نظرياً، قد تنتشر الغواصات الأسترالية بعد عشرين سنة قبالة جزيرة “سخالين” وشبه جزيرة “كامتشاتكا” في روسيا، أو ربما تعبر مضيق “بيرنغ” نحو المحيط المتجمّد الشمالي، مما يطرح تهديداً محتملاً جديداً على الأسطول الشمالي في روسيا، لكن تتعدد الأسباب التي تشير إلى احتمال أن تقع طرقاتها الأساسية في أماكن أبعد جنوباً وألا تصطدم مباشرةً بالمصالح الروسية.
تجدر الإشارة إلى أن الصين قدّمت طلباً للانضمام إلى “اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ” تزامناً مع نشوء تحالف “أوكوس”، فقد نشأ “اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ” في الأصل كجزءٍ من استراتيجية الاحتواء الاقتصادي الصيني في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، مع أن خَلَفه دونالد ترامب رفض المشاركة في تلك المبادرة. يبقى احتمال انضمام الصين إلى الاتفاق ضئيلاً، لكن تثبت بكين من خلال هذا الطلب مجدداً أنها تريد حصر خصومتها مع واشنطن في إطار التجارة والاستثمار والتكنولوجيا، لكن من خلال إنشاء تحالف “أوكوس”، يريد الأميركيون وشركاؤهم إثبات رغبتهم في توسيع المواجهة كي تشمل التكنولوجيا العسكرية والمجال الجيوسياسي.
في مايو 1882، حين وافقت ألمانيا وإيطاليا والنمسا والمجر على إنشاء كتلة عسكرية وسياسية اسمها “التحالف الثلاثي”، لم يفكر أحد في أوروبا على الأرجح بالعواقب المحتملة على المدى الطويل، وفي النهاية كان ذلك التحالف يهدف بكل بساطة إلى احتواء فرنسا، حيث كانت النزعة الانتقامية طاغية غداة هزيمة البلد في الحرب الفرنسية البروسية بين عامي 1870 و1872، ومع أن برلين أو فيينا أو روما لم تكن تحمل خططاً أخرى في تلك الحقبة، فإن القارة الأوروبية، بعد مرور أكثر من 30 سنة بقليل، غرقت في حرب دموية غير مسبوقة.
اليوم، يبدو تحالف “أوكوس” أشبه ببنية هشة وغير مستقرة نشأت بطريقة متسرّعة، ولكن بعد عشرين أو ثلاثين سنة، قد يؤدي المنطق الذي شجّع هذه الأطراف على إنشاء تحالف عسكري وسياسي جديد إلى وضعٍ لا يمكن الخروج منه من دون مواجهة أخطر العواقب في الدول المعنية وبقية بلدان العالم، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يطرحه تحالف “أوكوس” على المدى الطويل.
ترجمة: الجريدة