الرئيسية / مقالات رأي / تداعي الحلف الأمريكي الأوروبي

تداعي الحلف الأمريكي الأوروبي

بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – اختارت الولايات المتحدة التوقيت الأسوأ لخطف صفقة الغواصات من فرنسا، فقد جاءت الخطوة مثل صفعة مدوية على الخد الأوروبي الذي لم يهدأ غضبه على سلسلة طويلة من الاستفزازات المسيئة وعمليات الإذلال. بينما اعتبرت الإدارة الأمريكية ببساطة أن حرمان الصفقة يأتي في إطار بناء تحالف جديد يضم أستراليا وبريطانيا لتطبيق استراتيجية صارمة إزاء الصين.

لقد خسرت فرنسا 31 مليار دولار هي قيمة صفقة الغواصات النووية الموقعة مع أستراليا في عام 2016، وهي خسارة كبيرة للاقتصاد الفرنسي بلا شك. ولكن قبل وقوع هذا الضرر الجديد الذي أصاب كبرياء الدولة الفرنسية كانت أوروبا تكتم غضبها أحياناً وتعلن عنه أحياناً. فقد أغضبتها تصريحات قادة الولايات المتحدة الاستفزازية عن أوروبا القديمة العاجزة وأغضبها الدعم الأمريكي لخروج بريطانيا من عضوية الكتلة الأوروبية، وشعرت بالغضب الشديد مع الكشف عن تقارير التجسس الأمريكي على بعض الدول الأوروبية. كما شعرت بالغضب والارتباك مؤخراً من القرار الأمريكي بالانسحاب من أفغانستان.

ومثلما كانت فرنسا على الدوام هي التي تتصدى للشريك الأمريكي، فقد بادرت هذه المرة بالدفاع عن كرامتها الجريحة مستخدمة عنفاً لفظياً غير معهود. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إن فرنسا تخلّت عن الدبلوماسية في ردها على إعلان الصفقة واستخدمت مفردات مثل «الأكاذيب»، «الازدواجية»، «الوحشية» و«الازدراء». وذكرت أن ما يدور في الإليزيه هو انسحاب فرنسا من حلف شمال الأطلسي.

وعبرت الكتلة الأوروبية عن تضامنها الكامل، وشددت على أن فرنسا لا تقف وحدها وأن الخلاف مع واشنطن ليس «مسألة ثنائية»؛ بل «قضية أثّرت في الاتّحاد الأوروبي بأسره». ولطالما كانت فرنسا هي رأس الحربة في إظهار الغضب على سياسات واشنطن الأحادية في القضايا الدولية واستعدادها الدائم للتقليل من أهمية الحليف الأوروبي. لكن الغضب الأوروبي يكاد يكون عاماً، ومحاولات التمرد والخروج على الهيمنة الأمريكية وانتهاج سياسة خارجية مستقلة لم تتوقف. ومن أبرز عناوينها مشروعات إنشاء جيش أوروبي موحد يكون بديلاً لحلف شمال الأطلسي.

وعلى الرغم من محاولات المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، المستمرة لتهدئة نوبات الغضب الأوروبي وإعادة الحرارة الى العلاقات بين ضفتي الأطلسي. فإن ألمانيا لا تزال أقوى الدول الداعمة لاستقلال الكتلة الأوروبية في سياساتها الخارجية خاصة ما يختص بالعلاقات مع الصين وروسيا وهي توجهات مخالفة للموقف الأمريكي، كما أنها الداعم الأقوى لاستراتيجيات القارة في مجالات التجارة والاقتصاد وتدعيم العملة الأوروبية الموحدة في مواجهة هيمنة العملة الأمريكية، وفي مجال الاستقلال العسكري وبناء قوة أوروبية مشتركة.

هناك تباين في السياسات أصبح الآن أكثر وضوحاً. فالاتحاد الأوروبي يختلف مع تصنيف واشنطن للصين بأنها عدو، وهو على العكس يعدها شريكاً اقتصادياً واستراتيجياً. والأمر نفسه وإن بدرجة أقل ما يتعلق بالعلاقات مع روسيا، فهناك خلاف في التصنيف، وفي المقاربة المطلوبة بشأن مستقبل العلاقات مع موسكو. وفي خضم هذا التباين يبقى حلف الناتو هو الرابط الحيوي بين المعسكرين الغربيين ومنطقة المناورة التي تهدد ببقائهما متماسكين.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …