افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – يبدو الاتحاد الأوروبي مثل الرجل الذي فقد ظله ويبحث عنه فلا يجده. فالانسحاب الأمريكي العاجل من أفغانستان من دون تشاور أو تنسيق مع الحلفاء الأوروبيين، ثم إعلان تحالف «أوكوس» الثلاثي المفاجئ بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، الذي خسرت فيه فرنسا صفقة غواصات لأستراليا بقيمة 56 مليار يورو، وأخرجت أوروبا من التحالف الغربي، كان بمثابة ضربة على الرأس «دوخت» دول الاتحاد الأوروبي، وجعلتها في حالة عدم توازن، لأنها وجدت نفسها وكأنها تعرضت للخيانة و«طعنة في الظهر» حسب التوصيف الفرنسي.
اجتمع القادة الأوروبيون الـ27 في سلوفينيا يوم الأربعاء الماضي في محاولة للملمة شتاتهم والاتفاق على موقف موحد، ومناقشة استراتيجية حول دور الكتلة الأوروبية في الساحة الدولية في ضوء التطورات الأخيرة في أفغانستان، وتحالف «أوكوس»، وتطور العلاقات مع الصين، وفق ما ذكر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، الذي دعا القمة إلى «نقاش استراتيجي حول دور الاتحاد على الساحة الدولية»، مشدداً على الحاجة إلى «شركاء أقوياء وحلفاء أقوياء»، فيما يدعو الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي كان التقى في باريس قبل وصوله إلى سلوفينيا، وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الأوروبيين إلى تجديد تضامنهم مع بلاده، وتحرير أنفسهم من الحليف الأمريكي.
لكن أوروبا منقسمة على نفسها بين دول شمال القارة ودول البلطيق التي تدعو إلى توخي الحذر والحفاظ على العلاقة عبر الأطلسي من خلال المظلة الأمريكية، ودول مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا تدعو إلى سياسة دفاعية مستقلة، وتطلب تشكيل قوة رد سريع أوروبية قوامها 5 آلاف جندي، ودول أوروبية تريد التعاون مع روسيا والصين، لأن معاداتهما ليست في مصلحة الاتحاد الذي يدخل في هذه الحال، في صراع معهما لمصلحة واشنطن.
كما استجدت حالة انقسام جديدة حول انضمام ست دول شرقية إلى الاتحاد، هي ألبانيا والبوسنة وصربيا ومونتينجرو ومقدونيا الشمالية وكوسوفو؛ إذ إن دولاً أوروبية دعت إلى التريث في قبول عضوية هذه الدول، لكن الاتحاد وجد صيغة حل وسط تؤكد «الالتزام بعملية التوسيع»؛ أي إنه لم يُسقط فكرة الانضمام، لكنه أجّلها، وقد عبر رئيس وزراء ألبانيا، إيدي راما، عن استغرابه من هذا القرار بالقول: «استعددنا لحفل الزفاف عدة مرات، لكن المدعوين لم يأتوا» (ويقصد الزعماء الأوروبيين).
إلا أن القمة الأوروبية عوّضت عن الانضمام بتقديم حزمة مساعدات اقتصادية بمليارات الدولارات لهذه الدول، كي تثبت لها أنها لا تزال أفضل خيار استراتيجي في المنطقة، وأكبر جهة مانحة.
وأشار مسؤولون أوروبيون إلى جهد أوروبي باتجاه سكان البلقان، مثل تحسين معدلات التطعيم لتصل إلى تلك المسجلة في دول الاتحاد، وإلغاء رسوم التجوال على الهواتف المتحركة.
ستواصل أوروبا البحث عن ظلها، وسط ركام من الخلافات والانقسامات والطعنات في الظهر.. لكنها قد لا تجده.