بقلم: فارس الحباشنة – صحيفة “الدستور” الأردنية
الشرق اليوم – الجزائر سحبت سفيرها من باريس احتجاجا على تصريحات للرئيس الفرنسي ماكرون يشكك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر.
وكما قال ماكرون أيضا إن الجزائر كان يحكمها «نظام سياسي عسكري» له تاريخ رسمي لا يقوم على الحقيقة بل على كراهية فرنسا.
أي شعب حر أكثر ما يثيره ويستفزه التعرض والإساءة لذاكرته الوطنية. وثمة فارق ما بين المراجعة والنقد والتهجم والاتهام والتجهيل، والنظرة الفوقية والاستغلالية الاستعمارية.
ماكرون يجدد طرح السؤال عن العلاقة ما بين الغرب والشرق من وجهة نظر أوروبية، ومن تصورات الاستعلاء الحضاري والتاريخي والمركزية الأوروبية. وكيف يقسمون العالم تابع متبوع، وحر وعبيد .. العرب والمسلمين شعوب ومجموعات سكانية بلا هوية وتاريخ وحضارة.
وجوه ماكرون من وجوه فرنسية وأوروبية كثيرة، وما زالوا يلبسون أقنعة الاستعمار، وينظرون إلى الشرق في شهوة الاستعمار القديم والجديد، ويستخدمون ذات اللغة التي فرضوها على مستعمراتهم في الشمال الأفريقي والمشرق العربي. ويدافعون عن أبجدية القوة المطلقة والأبدية لأوروبا ودول الغرب.
كلام ماكرون، قاله من قبل ديغول وتوني بلير وتاتشر، وبوش الأب والابن في حربي العراق وأفغانستان، وقسم العالم بعد أحداث 11 أيلول « مع أو ضد أمريكا»، وانتجوا عقيدة الشر والشيطان الإرهابي الإسلامي.
ماكرون وجه أوروبا، وهو الوجه الحقيقي لأوروبا .. الغارات المتكررة على الذاكرة الوطنية الجزائرية حتى يفقد المواطن العادي الثقة بنفسه وبلاده وقدراته على صنع تاريخ واكتساب حقوق مشروعة، وأيا كانت التضحيات.
الجزائر بلد مليون شهيد، وصنعت أم ثورات التحرر الوطني في العالم الثالث، واستقلالها انتزعته ولم يمنح منحة. وصنع الجزائريون استقلالهم بالدم والشهادة، ولم يهادنوا ويوطوا رؤوسهم للاستعمار الفرنسي.
وحافظ الجزائر على هويته العربية، وفشلت محاولات فرنسا لسلخه من جسده العربي، وتحويله إلى تابع فرنسي وأوروبي. وكان هذا التحدي هو الأبرز والمعركة المصيرية التي قادها أحمد بن ببيلا وقادة جزائريون بعد إعلان الاستقلال.
وفي صلب معركة الجزائر في تحقيق الاستقلال وتثبيته، كانت فرنسا هي عنوان المواجهة والتحدي. وفي أكثر من سياق فإن الجزائر في صراعات وأزمات الشرق الأوسط وأفريقيا وقف شوكة في حلق فرنسا وبريطانيا وأمريكا فيما بعد.
ولعب دورا في الوقوف إلى جانب مصر الناصرية، وحركات التحرر العربي، وساند ودعم تأسيس قوة دولية جديدة خارج استقطاب الحرب الباردة للدول المستقلة حديثا في «باندوج» .
ومازال الفرنسيون ينظرون إلى الجزائر مستعمرة فرنسية. وصراحة، لا تصدق فرنسا ولا غيرها من دول أوروبا أن أوطانا في الشرق قد استقلت وخرجت من عباءة الاستعمار الغربي.
في العلاقات الدولية حقائق دامغة وثابتة، وحسابات معقدة في المصالح ومراكز النفوذ، وحقائق أخرى في القوة وأدوات القوة. ولم تكن غريبة تصريحات ماكرون عن الجزائر، والكراهية المصبوغة في العقل الفرنسي إزاء العرب والإسلام.
في أوروبا مازالوا حتى اللحظة يكرهون جمال عبدالناصر، ويتذكرون قرار تأميم قناة السويس وحرب السويس، ويهمشون ويستصغرون أي منجز وطني عربي، ويستخفون في استقلالنا وحروبنا من أجل الاستقلال، ويصنفوننا بشعوب تحت التأهيل وقيد التطور الجيني والديمقراطي والحضاري، ويتعرضون لهويتنا وتاريخنا بالإساءة والاستخفاف، وأن العالم يدور في فلك المركزية الغربية.